ما يحدث في المنطقة ليس مجرد «صراع عابر»، أو «مناوشات حدودية»، أو حتى «ضربات تأديبية محدودة». هذه كلمات تجميلية تسوّقها وسائل الإعلام العالمية، وتقدمها لنا تحليلات الخبراء الذين فقدوا حس الواقع.
فالحقيقة الساطعة أن حرباً حقيقية قد بدأت، حرب بكل معنى الكلمة، بين قوتين تحملان نفس الحلم التوسعي ونفس المنطق في الهيمنة. إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى.
كلاهما يريد أن تخلو له المنطقة، وكلاهما يعتقد أن بقاءه مرهون بإفناء الآخر. ورغم أننا كدول خليجية، ولسنا طرفاً مباشراً في هذه الحرب، إلا أن الواجب الاستراتيجي والأخلاقي يفرض علينا الاستعداد، لا لخوض الحرب، بل لتفادي كوارثها وحرائقها التي ستصل إلينا شاء من شاء وأبى من أبى. لأن من يتصور أن هذه الحرب ستظل بين تل أبيب وطهران فقط فهو واهم.
فالنوايا باتت علنية، إسرائيل تعلن بلا مواربة أن المشروع النووي الإيراني يجب أن يُدفن تحت الأرض، بأي ثمن، وبلا حساب لعواقب ما سيحدث بعد ذلك!
لكن ما ثمن ذلك علينا نحن، جيران هذا الصراع؟ ماذا لو تعرض مفاعل بوشهر النووي لضربة صاروخية مباشرة؟ من الذي سيضمن لنا أن سماء الخليج لن تُغمر بسحابة إشعاعية؟ من يملك أن يمنع كارثة بيئية قد تمكث آثارها لعقود، فتدمر مياه الخليج العربي، وتلوث تربته، وتسمم هواءه؟ إنها كارثة بحجم الإقليم كله، لا إيران وحدها. ونحن أول المتضررين بحكم الجغرافيا، والقرب، والقدر.
الغطرسة الإسرائيلية التي لا تعرف حدوداً، قادت المنطقة من أزمة إلى أخرى. من نكبة فلسطين إلى اجتياح بيروت، من ضرب المفاعل العراقي إلى ضرب المفاعل السوري، من حصار غزة إلى اغتيالات طهران. كل ذلك يحدث أمام عيون العالم الذي يقف صامتاً، مرتجفاً، مرتقباً المصيبة القادمة.
إننا نعيش لحظة من أدق لحظات التاريخ الحديث، فإسرائيل اليوم لا تخفي أهدافها، بل تعلنها بلا حياء، تريد إعادة رسم خارطة المنطقة، تريد أن تبني حلمها الكاذب على أنقاض الآخرين. تريد أن تكون القوة النووية الوحيدة في هذا الشرق المضطرب، حتى ولو كان الثمن سقوط شعوب وأمم بأكملها في أتون الدمار والفوضى. لا أحد يعلم ما تخبئه لنا الأيام القادمة.
فالأحداث تتسارع، والخطط تُرسم، والضربات تُجهز، والعالم يقترب من لحظة المفاجأة. فهل نحن مستعدون؟
هل نملك خطة حماية لمياهنا، وشعوبنا، ومواردنا؟ إنها ليست «مناوشات» كما يزعم البعض.. بل لحظة الحقيقة.