احتفى الجميع الأيام الماضية بانضمام مملكة البحرين لمجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة 2026-2027م، أعتقد ان هذا الحدث الكبير والتأريخي جاء تتويجيا لجهود عظيمة وكبيرة بدأت منذ اعتلاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين المعظم لسدة الحكم في مارس 1999م، ومنذ تلك اللحظة الفارقة في تاريخ هذه الجزيرة المعطاة، مرورا بفترة (ميثاق العمل الوطني) التي اثمرت عنها الكثير من التحولات التي وضعت البحرين على مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات.
سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الممثل الخاص لجلالة الملك المعظم، مؤسس الدبلوماسية البحرينية العريقة لعب دورا كبيرا ومهما في الصعود بالعلاقات الخارجية للبحرين وذلك بإدارته الحكيمة للملفات التي فتحت الآفاق بتأسيس العلاقات المتميزة مع كافة بلدان العالم في شتى المجالات، ومن خلال علاقاتها الواسعة الامتداد مع زعامات العالم وصانعي السياسات الخارجية عربيا واقليميا ودوليا، كان الانجاز الكبير الأول م نوعه في عام 2006م حينها بانتخاب الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة رئيسا الدورة الـ 61 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك من 12 سبتمبر 2006 إلى 17 سبتمبر 2007م، ومن خلال موقعها الاستراتيجي هذا حققت الشيخة هيا بنت راشد انجازات كثيرة للبحرين، مما جعل اسمها يتردد في كل بلاد العالم باعتبارها شريكة في القرار الأممي.
رئاسة البحرين للجمعية العامة للأمم المتحدة الدورة 61 كانت بمثابة مدخل لتحقيق انجازات كثيرة لمملكة البحرين التي مثلت دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي والاسلامي أفضل تمثيل عبر الملفات ذات الاهمية في هذه المنطقة من العالم، قدمت فيها عصارة فكرها، لذلك عندما نتحدث عن انضمام مملكة البحرين لمجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة 2026-2027م لابد من القول بأن ما تحقق هو تتويج حقيقي لجهود حثيثة حققتها الدبلوماسية البحرينية في كل عهودها.
جهود وزير الخارجية السابق
وفي ذات السياق لا يمكن أن ننسى أو نغفل الدور الكبير والبارز الذي لعبه معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في تطوير الدبلوماسية البحرينية خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية من 2005 إلى 2020 كان له تأثير كبير في تعزيز العلاقات الدولية لمملكة البحرين، حيث عمل على توسيع شبكة التحالفات الدبلوماسية وتعزيز مكانة البحرين على الساحة العالمية.
من أبرز إنجازاته:
- تعزيز العلاقات الخليجية والدولية: ساهم في ترسيخ التعاون بين البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما لعب دورًا في تطوير العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
- الوساطة في النزاعات الإقليمية: شارك في جهود حل النزاعات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالخلافات الحدودية، وكان له دور في التنسيق الدبلوماسي بين البحرين ودول أخرى.
- دعم قيم التعايش والسلام: ركّز على نشر قيم التسامح والتعايش، وساهم في تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، وهو ما انعكس في مشاركاته في مؤتمرات دولية مثل حوار طنجة، و نجاح زيارة بابا الفاتيكان السابق للبحرين وما تمخص عنها من لقاءات مثمرة ومن نتائج ايجابية.
- تطوير السياسة الخارجية البحرينية: خلال فترة توليه الوزارة، شهدت البحرين تحولات دبلوماسية مهمة، حيث تم تحديث السياسات الخارجية بما يتماشى مع التغيرات الإقليمية والدولية.
بعد انتهاء فترة عمله كوزير للخارجية، تم تعيينه مستشارًا لجلالة الملك للشؤون الدبلوماسية في عام 2020، مما يعكس استمرار دوره في صياغة السياسة الخارجية البحرينية.
جهود وزير الخارجية الحالي
لا شك أن المتابع والراصد عن كثب يدرك بأن الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني الذي تولى منصب وزير الخارجية منذ 11 فبراير 2020م لعب دورًا محوريًا في تعزيز الدبلوماسية البحرينية على المستويين الإقليمي والدول(الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية)، وقد شهدت له المحافل الدولية والاقليمية والعربية الكثير من الجهود الخيرة والاتصالات واللقاءات مع قادة الدبلوماسية العالمية مما أسهم في تواجد وحضور البحرين في كافة المنصات العالمية والمنظمات الأممية على وجه الخصوص.
أبرز أدواره في تطوير الدبلوماسية البحرينية:
- تعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف: ركّز على ترسيخ مكانة البحرين كشريك فاعل في المنظمات الدولية مثل مجلس التعاون الخليجي، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وساهم في دعم مبادرات السلام والتفاهم.
- الوساطة في النزاعات الإقليمية: خلال فترة توليه منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي (2011-2020)، قاد جهود الوساطة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، مما أدى إلى توقيع المبادرة الخليجية عام 2011. (الموقع الالكتروني لأكاديمية محمد بن مبارك آل خليفة للدراسات الدبلوماسية).
- دعم القضايا العربية والإسلامية: لعب دورًا في دعم القضية الفلسطينية، وتعزيز الحوار بين الثقافات، كما ساهم في جهود البحرين لنيل عضوية غير دائمة في مجلس الأمن للفترة 2026-2027، بهدف تعزيز الأمن والسلام العالمي. (وكالة أنباء البحرين).
- التطور الرقمي والدبلوماسية الحديثة: ركّز على التحول الرقمي في العمل الدبلوماسي، خاصة خلال رئاسة البحرين للقمة العربية الثالثة والثلاثين، حيث تم طرح مبادرات لتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي (صحيفة الأيام البحرينية)
* ثم ماذا بعد انضمام مملكة البحرين لمجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم..؟.
أعتقد أن البحرين ليست الدولة الصغيرة الوحيدة التي تبوأت هذا المقعد بمجلس الأمن الدولي، تاريخيا الدول الصغيرة التي شغلت عضوية غير دائمة في مجلس الأمن مثل كوستاريكا، سنغافورة، ولوكسمبورغ، هذه الدول تبنت استراتيجيات مختلفة لتعزيز تأثيرها رغم محدودية مواردها مقارنة بالدول الكبرى، فكوستاريكا ركزت على القضايا البيئية ونزع السلاح، بينما سنغافورة دفعت نحو تعزيز القانون الدولي.
يمكن للبحرين الاستفادة من كل هذه التجارب عبر دبلوماسيتها العريقة التي اصبحت تمثلها جهات عديدة فضلا عن وزارة الخارجية، ومن بينها مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، فهناك الدبلوماسية الاقتصادية والدبلوماسية البرلمانية التي اصبحت تتحرك بشكل كبير وملحوظ في الفترة الاخيرة، واصبح لها وجود كبير وفاعل ومؤثر في عمل الدبلوماسية الرسمية، ومن هنا فإن الكثير من المحللين والكُتاب ركزوا على أهمية أن تكون مملكة البحرين صوتًا للدول الخليجية في قضايا الأمن الإقليمي والطاقة، وصانعة للتحالفات الذكية المثمرة، وهذا أمر في غاية الأهمية سواء للمجالات الاقتصادية أو الأمنية والاستراتيجية.
الدول الصغيرة
إن الدول الصغيرة غالبًا ما تعزز تأثيرها عبر بناء تحالفات مع الدول الكبرى، البحرين يمكنها الاستفادة من علاقاتها القوية مع القوى العالمية لضمان دعم قراراتها داخل المجلس، إضافة إلى التركيز على القضايا المتخصصة لوكسمبورغ ركزت على القضايا الإنسانية، وهو ما يمكن للبحرين تبنيه عبر الدفع بمبادرات لحماية المدنيين في النزاعات الإقليمية، وهذا ما يدعم توجه البحرين في دعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام.
بعض المحللين تحدثوا عن الفرص الاقتصادية والاستثمارية التي يمكن للبحرين الاستفادة منها بعد أن أصبحت عضوا غير دائم بمجلس الأمن الدولي، في الحقيقة هذا الأمر يدعم توجهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الرامية إلى تعزيز الثقة الاستثمارية، إن الدول التي تشغل مقعدًا في مجلس الأمن غالبًا ما تحظى بثقة أكبر من المستثمرين الدوليين، و يُنظر إليها على أنها أكثر استقرارا سياسيا، البحرين يمكنها استثمار ذلك لجذب استثمارات في القطاعات المالية والتكنولوجية.
أعتقد انه في ذات السياق يمكن للبحرين توسيع علاقاتها التجارية من خلال استخدام عضويتها لتعزيز شراكات اقتصادية مع الدول الكبرى، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، والخدمات اللوجستية، وفي الوقت نفسه يمكن للبحرين أن تكون جزءًا من المبادرات الاقتصادية العالمية التي تدعم التنمية المستدامة، مما يعزز مكانتها كمركز مالي وتجاري في المنطقة.
دعم رؤية البحرين 2050
إن عضوية مملكة البحرين بمجلس الأمن الدولي غير الدائمة للفترة 2026-2027م، يمكن توظيفها بشكل كبير في دعم رؤية البحرين (2050)، وذلك لتحقيق غايات كثيرة من أهمها تعزيز مكانة البحرين كمركز للحوار الدولي: ونقطة انطلاقة كونية لترسيخ قيم التعايش السلمي، كدولة محورية في المنطقة، والدفع بمبادرات دولية تعزز التحول الرقمي، مما يتماشى مع أهداف رؤية 2050 في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، والمساهمة في الاستدامة البيئية عبر عضويتها بمجلس الأمن يمكن للبحرين أن تكون صوتًا رائدًا في قضايا المناخ، مما يعزز مكانتها كدولة تدعم التنمية المستدامة.
خلاصة القول أن البحرين قادرة بكفاءاتها الدبلوماسية وحكمة قيادتها التعاطي الفعّال مع كافة القضايا المهمة في المجتمع الدولي بحكمة واتزان، وبما يحقق الأهداف التي تعلي من شأن الانسانية، وعلى ذات الصعيد يمكنني القول أن البحرين موعودة بقفزة طويلة بتحقيق نجاحات كبيرة على كافة المستويات وفي جميع المجالات التي ترتقي بالانسان البحريني إذا ما تم الاستفادة القصوى من عضوية مجلس الأمن الدولي، خاصة فيما يتعلق بتطور الاقتصاد من خلال تنوع مصادر الدخل كهدف استراتيجي يسهم في ذلك الترويج للبحرين في الخارج كأكبر محفز للسياحة في المملكة تجذب الزوار والسياح، الآن القائمين على أمر السياحة في البحرين على مستوى عال من تحمل المسؤولية ومن الكفاءة والتميز هم في حاجة للمزيد من العمل في الترويج للبحرين في المحافل الدولية.