بعد خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، الأحد 19 يناير الجاري، فإنه من المهم البحث في الأدوار الدولية في مشهد غزة خلال العام الجاري 2025 وفي القلب منه الدور الخليجي في إطار الاستشراف المستقبلي القريب والمتوسط للقضية الفلسطينية، بما له من إنعكاسات قوية على أمن واستقرار المنطقة والعالم.
وتبرز إسرائيل، كأول الأطراف والأدوار، حيث يعتقد رئيس وزراءها نتنياهو أن حرب الإبادة كانت للقيامة الثانية للدولة، وقد أعلن عشية اتفاق وقف النار أن إدارة ترامب ستمنحه حرية كاملة لاستمرار الحرب في غزة ولبنان، مضيفاً أن المرحلة الأولى من الاتفاق هي هدنة مؤقتة، وترمب وبايدن يدعمان حق إسرائيل في استئناف القتال إن لم تكن المرحلة الثانية مثمرة.
يليها الولايات المتحدة، حيث كشفت “إيكونوميست” إن الرئيس ترامب بدأ إعادة تشكيل الشرق الأوسط قبل تنصيبه رئيسا، فقد دفع إلى هدنة في لبنان، وضغط لإنجاز اتفاق وقف النار في غزة، ومن المتوقع أن يكون ترامب قادراً على تمرير تشريعات وتطبيق استراتيجيات، تحدث تغييرات تشبه الإنقلاب في الولايات المتحدة والعالم، وسيكون على قادة المنطقة وأوروبا قبل الخصوم احتواء تحوّل هذه الطموحات إلى كوارث.
أما ثالث الأدوار فهو الاتحاد الأوروبي، الذي تجاوب مع الدعوات العربية والخليجية في مسألة الإعتراف بدولة فلسطين، ومن المتوقع هذا العام زيادة التوترات في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية على خلفية الإعتراف بدولة فلسطين أو قضية المساعدات ومعبر رفح، وكان الاتحاد الأوروبي يراقب اتفاق وقف النار وأعلن على إثره تقديم حزمة مساعدات إنسانية إلى غزة في العام 2025 بقيمة 120 مليون يورو، تشمل الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الصحية، كما يستعد للمساعدة في إعادة بناء غزة على المدىين المتوسط والبعيد.
وهناك الأدوار الروسية والصينية والهندية، وقد كتب معلق روسي أثناء حرب الإبادة: «هل يوجد ظروف دولية أفضل من هذه التي يشهدها العالم حالياً لتكريس فكرة الانتقال إلى نظام دولي جديد عبر تحركات جدية تضع بدائل للهيمنة على القرار الدولي من جانب الغرب؟”.
وتطورت المواقف الروسية إلى اشتباك في مجلس الأمن، ومطالبات واضحة بوقف القتال، غير أنها لم تتحول إلى البحث عن آليات ضاغطة، ومن المتوقع أن تتجاوب روسيا مع المطالب العربية السياسية أو تلعب دوراً في الوساطة الفلسطينية دون إسهام ملموس في إعمار غزة، أما الصين فقد طولبت بالضغط على إيران من أجل تهدئة محورها أثناء الحرب، ومن المتوقع أن يكون لها دور مساند للمطالب العربية أو في الوساطة الفلسطينية، دون خسارة العلاقات مع إسرائيل التي تعتبر باباً للتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة
وانتقلت الهند من عدم الإنحياز إلى التحيز التام لإسرائيلي مؤخراً، وامتنعت الحكومة الهندية عن انتقاد إسرائيل طوال الحرب، بينما شنَّت المعارضة حملة هجوم قاسية، وشهدت مناطق الهند، مظاهرات ضد إسرائيل، ومن المتوقع استمرارية هذا الدور خلال العام الجاري، ومن المتوقع أن يستمر هذا التحيز في 2025.
وأمام تحيزات ورمادية أدوار الأطراف السابقة يعول على الأدوار العربية وخصوصاً الخليجية في قضايا مثل: المصالحة الفلسطينية، الإعتراف بدولة فلسطين، وإعمار غزة التي يقدر الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية في القطاع بلغت 18.5 مليار دولار أميركي في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب فقط، فيما قدرت منظمة الصحة العالمية حاجة قطاع الصحة في غزة لنحو 3 مليارات دولار خلال الأشهر الـ 18 المقبلة.
ومن الأهمية والضرورة وجود تفاهم خليجي وعربي داخلي أولاً ومع الاتحاد الأوروبي ثانياً ثم مع الصين وروسيا ثالثاً، حول هذه القضايا نظراً لأن الأطراف الأخرى سوف توظفها لتحقيق مصالح طرف دون آخر في الصراع الدائر، بما يعزز خارطة الطريق نحو دولة فلسطينية وإقامة استقرار وإزدهار حقيقي في المنطقة، يخدم استقرار وأمن العالم.
Hamdi.a.aziz996@gmail.com
–
*صحفي مصري مقيم بالبحرين