يشبه تسلسل الحاجات الهرمي الشهير لعالم النفس أبراهام ماسلو دليل الهرم الغذائي، ولكن للصحة النفسيّة والعقلية، فيتشكل من الحاجات الفسيولوجية، وحاجات الأمان، ثم الحاجات الاجتماعية، والحاجة للتقدير، وأخيراً الحاجة لتحقيق الذات أعلى الهرم.
وتظهر الحاجة الجنسية في الهرم مرتين: ضمن الحاجات الفسيولوجية في قاعدته، وضمن الحاجات الاجتماعية، وفي الحالتين هي قضية لا ترتبط بالشهوة والغريزة بقدر ما تتعلق بحاجات إنسان وعلاقته مع إنسان آخر.
إن هذه الغريزة مثل التنفس!، ويترتب عليها سلوك للتكاثر، وهو رئة الكون التي تتجدد من خلالها الكائنات الحية على هذه الأرض، لكنه يختلف عند البشر مقارنة بالحيوانات والنباتات، لأنه ينطوي على علاقة إنسان بإنسان، وله شقين: جسدي وعاطفي.
وهذا السلوك في واقعنا الراهن، إما أن يتحول إلى شكل أدنى من العلاقات العابرة المؤذية للروح والجسد القائمة على اللذة في علاقة عابرة مؤذية للروح والجسد، أو يكون فعلاً روحياً وتعاطف بين روح وروح، وعقل وعقل، وهو ما يتجلى في محبة الزوجة والأبناء.
ومع تأخر الزواج، لكثير من الأسباب، وتحول الغريزة إلى سلوك “فرويدي” قائم على الفعل المادي والمتعة، فقد زادت الاضطراباتُ الجنسية، ومنها: المازوشية، والسادية الجنسية، عِشق الأطفال “الفيتشية”، اضطراب الاستِعراء، اضطراب التلصُّص، لِبسَة الجِنس الآخر، وغيرها.
ومن اللافت أن الإنسان في الفقه الإسلامي لا يكون قبل البلوغ مكلفاً، ولا توجه له الأوامر الشرعية، فإذا بلغ – أي حينما تستيقظ غريزته- هنا يصبح مكلفاً، وقد ألف أحدهم كتاباً أسماه “التشريف ببلوغ سن التكليف”، وفيه رصد لنفسه في أي يوم أصبح بالغاً، وفي أي سنة، وكان يحتفل كل عام ببلوغه، شاكراً الله تعالى على هذه النعمة لأنه أصبح مكلّفاً مخاطباً من الله ببلوغه، أي عند بدء الغريزة الجنسية.
ويمكننا أن نصف مسألة “الجنس” في دين الإسلام بالوسطية بين الإباحية القديمة والحديثة، وبين الرهبانية التي تكبت الغريزة من جهة أخرى، حيث ينظم “الحياة الجنسية” عن طريق نظام الزواج وتشريعاته، وينظم العلاقةَ بين الرجل والمرأة عموماً.
وفي هذا السياق، يقول علي عزت بيجوفيتش، أمطره الله بسحائب الرحمات، في مقال بعنوان: “المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي”:
“إن الإسلام لا يرفض الحياة الجنسية، لأنه يدعو إلى حياة طبيعية وسعادة الحب (..) ولا يسعى لإقامة جدار يحوط جميع الأنهار التي يمكنها إرواء العطش. ولا يطالب بالقضاء على الشهوات، بل يطالب بالسيطرة عليها، ولا يسعى لقطع الشهوة الجنسية، لكنه يضع لها الضوابط والحدود”. ولذلك لا يرغب الإسلام في الزواج فحسب، بل يدعو إلى تيسيره، ومراعاة الحياة الزوجية، كما يعد الجماع بين الزوجين صدقة وعبادة.
ويعتبر الزواج ميثاقاً غليظاً، فيحث على تيسيره ويحرم العلاقات الجنسية قبله “الزنا” وبعده “الخيانة الزوجية” لأسباب واضحة، وهذا موضوعنا القادم بمشيئة الله.
Hamdi.a.aziz996@gmail.com
صحفي وكاتب وباحث