الرئيسية / مقالات / ما وراء التعييّنات الحكومية الجديدة في البحرين ..؟. بقلم- خالد أبوأحمد

ما وراء التعييّنات الحكومية الجديدة في البحرين ..؟. بقلم- خالد أبوأحمد

شهد الأسبوع المُنصرم صدور مراسيم من جلالة الملك المعظم، ومن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهم الله ورعاهم بتعيينات في وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة أُعتبرت الأكبر في السنوات الأخيرة كما وكيفا، وربما يسأل البعض لماذا كل هذه التعيينات وفي هذا الوقت تحديدا..؟.

لاحظنا جميعا أن جُل المُعينييّن في هذا العام 2023م بالمرافق الحكومية المختلفة هُم من مخرجات الألفية الثالثة، أي الذين تخرجوا من أعرق وأفضل الجامعات العربية والعالمية فضلا عن جامعة البحرين، ونالوا الدرجات العليا في تحصيلهم العلمي والأكاديمي المدعوم بالخبرات المهنية العلمية، وهؤلاء جميعهم نتاج العلوم الحديثة والأفكار الاقتصادية والتنموية الجديدة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات الكونية في المجالات التقنية ومن أهمها الحوسبة السحابية، والتحولات الرقمية.

إن الصحفي المتابع للتطورات في البحرين وشهد بدايات التطور والازدهار منذ انطلاقة مشروع جلالة الملك الاصلاحي في العام 2001م يجد أن التغييرات التاريخية الكبيرة التي حدثت في الدولة قد أتت أكلها تماما، ولا زلت أتذكر المناقشات والحوارات الحضارية التي امتدت طويلا وقادها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في الفترة ما بين (2003-2007) مع رجال المال والأعمال وغرفة التجارة والصناعة، ومع الخُبراء في الاقتصاد أدت في نهاية المطاف إلى تأسيس العديد من المرافق المهمة التي أسهمت فيما بعد في التطور الذي تعيشه البحرين حاليا مثل هيئة تنظيم سوق العمل، وصندوق العمل (تمكين)، ورؤية البحرين 2030م ومجلس التنمية الاقتصادية..إلخ.

رؤية حضارية

إن الذين تم تعييّنهم مؤخرا هُم نتاج رؤية حضارية بالغة عمل عليها جلالة الملك بشكل حثيث، وبذل في جعلها واقعا على الأرض جهدا كبيرا مع المغفور له بإذن الله الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان، وباعتبار عملي الصحفي في مجال الأخبار كنت شاهد عيان على ذلك، من خلال المؤتمرات المحلية والعالمية التي كانت تنعقد في المنامة، ونموذج لذلك متابعتي اللصيقة لتاسيس هيئة الحكومة الالكترونية، ومتابعتي لها في كل المراحل من الإعلان عن أول خدمة الكترونية قدمتها، والإعلان عن أول استراتيجية وضعتها، كنت حضورا في كل المؤتمرات واللقاءات مع الصحفيين ويشهد لي الأرشيف الحوار الصحفي المطول الذي أجريته مع الاخ الاستاذ محمد علي القائد في عام 2008م مع زميلي الأستاذ المترجم الصحفي اسامة بابكر حسن، ولم تنقطع صلتي بمتابعة انجازاتها حتى وصلت حكومة البحرين الالكترونية إلى المراتب العليا على كل المستويات الاقليمية والدولية في التفوق والتمييز.

عندما أقول أن هذه التعيينات جاءت وفق رؤية جلالة الملك نجد معالم وأسس هذه الرؤية من خلال ما ورد في الخطابات الملكية السامية في المناسبات المحلية المختلفة خاصة في افتتاح دُور الانعقاد الجديد لمجلسي الشورى والنواب، تتجسد أيضا هذه الرؤى في مجموعة المقالات التي كتبها جلالته عام 2005م تحت عنوان (أحاديث في الوعي الوطني) كان المقال الأول بعنوان (حلمت بوطن يحتضن كل أبنائه) وتناول فيه جلالة الملك ذكرياته عندما توجه شعب البحرين رجالاً ونساءً للتصويت على مشروع الميثاق، فيما خص جلالته المقال الثاني للحديث عن مؤسسات المجتمع المدني تحت عنوان (تطلعات مجتمع مدني.. عايشته ميدانيًا)، مسجلاً عددا من القناعات الفكرية في هذا الشأن.

نداء القلب

المقال الثالث في سياق أحاديث في الوعي الوطني خص به جلالة الملك الشباب تحت عنوان (إلى الشباب.. نداء القلب والعقل)، أشار فيه إلى أهمية تربية النشء على ثوابت الهوية الحضارية لتراثه الإسلامي السمح وعروبته المنفتحة على الجميع وكيانه الوطني البحريني، أما الحديث الرابع كان تحت عنوان (يدًا بيد.. لانطلاقة متجددة) حيث ركز على رؤية جلالته حول العمل التشريعي، والنظام التعليمي والتربوي، والتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، إلى جانب الصعيد الاجتماعي والذي تناول فيه العاهل تثبيت المكانة المستحقة للمرأة البحرينية، لذلك لأقول أن مجمل ما حدث في البحرين من خطوات تنموية كانت منطلقة من رؤى ملكية سديدة وضعت البلاد في المكانة اللائقة بها.

من المهم جدا قوله في هذه السانحة أن التعيينات الجديدة تركّزت في مجالات استراتيجية ذات أهمية بالنسبة لفكر جلالة الملك لذا نجد التعيينات في شؤون الشباب والرياضة، وسوق العمل، وبشكل اكثر تركيز على المجالات الصحية فشملت وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية والمِهن الطبية والمجلس الأعلى للصحة، ومراكز الرعاية الصحية الأولية، وهو ما يدل على أن سياسة مملكة البحرين مستمرة في دأبها نحو التميّيز في هذا المجال الحيوي، وقد نالت من قبل الكثير من الجزائز العالمية في مجال الصحة، وليس بعيد عنا ما حققته البحرين من تفوق على مستوى العالم في أزمة كورونا (كوفيد 19)، هذا النهج الهادف لرفع معدلات العمل إلى مستويات تنافسية من الإبداع والتعلم والشفافية والمعرفة، والمتطلع إلى تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين على حدٍ سواء.

التعيينات كذلك شملت هيئة جودة التعليم والتدريب، ووزارة المواصلات والاتصالات، ووزارة الخارجية في اطار توسيع علاقات البحرين مع دول العالم نشرا لقيم المحبة والتسامح والتعايش بين الشعوب الذي اشتهرت به البحرين، إن هناك معنى كبير جدا في التعيينات عموما خاصة في مجالات الشباب والرياضة وجودة التعليم والتدريب، تؤكد على الاصرار والعزيمة على بلوغ مراتب التفوق بالنظر للمستقبل المشرق من خلال رعاية الشباب في مناحي الرياضة والتعليم عبر الاهتمام بجودة العملية التعليمية.

عالم (الخوارزميات)

إن التعيينات الجديدة تأتي في وقت صعب جدا يشهد فيه العالم تنافسا كبيرا وبوتيرة سريعة للغاية في ظل متغيرات كونية مع دخول تقنيات (الذكاء الاصطناعي) إلى حيث التأثير الاقتصادي والتنموي والعِلمي، والتطورات المهمة في عالم التقنية، كل هذه العناصر تفرض واقع جديد يتطلب مهارات بشرية حديثة وفاعلة، فإن العالم تجاوز استخدام الحاسب الألي في إدخال المعلومات إلى عالم (الخوارزميات) واستخداماتها في الصناعة والطب والهندسة وفي استشراف المستقبل..إلخ، إن المسؤولين الجُدد الذين وُضعوا في موقع المسؤولية وصناعة القرار التنموي بما لديهم من مؤهلات وخبرات يُعوّل عليهم كثيرا في المرحلة المقبلة أحسب أنهم على قدر الآمال والطموحات.

الكثير من الناس أشاروا إلى أن غالبية المسؤولين الجُدد هم من الشباب والعنصر النسائي اعتقد هذا شئ بديهي ومعلوم أن جلالة الملك من بداية مسيرته في الحُكم وحتى الآن ظل يولي الشباب والمرأة اهتماما بالغا وإذا تحدثنا في هذا المجال يمكننا ان نؤلف فيه كُتبا.

خلاصة القول أن الجهود الحثيثة التي تبذلها القيادة في البحرين في ظل التنافس المحتدم بالمنطقة بإذن الله ستأتي أكلها خيرا وبركة، فهناك الكثير من الصور الايجابية في الراهن البحريني التي تستحق الوقوف عندها لذلك تتواصل مثل هذه الوقفات بين الفينة والأخرى.