خالد ابواحمد
تقرير البحرين/المنامة/ يشهد المراقب والراصد في البحرين عن قرب التطورات الايجابية الكبيرة في الارتقاء بالمرأة البحرينية من خلال التعيينات المستمرة للكفاءات النسائية الشابة ليس في مجال واحد بل في مناحي كثيرة ومتنوعة وآخرها التعينات التي أصدرها سعادة النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين، الذي شملت عددا من الوجوه النسائية الشابة المسنودة بالكفاءة والتميز، وهذا يأتي تواصلا للقفزة النوعية في الاستفادة من قدرات المرأة، وخصوصًا من العناصر التي دخلت ميادين القرار في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والدبلوماسية والقطاعات الحيوية.
إن القرارات التي صدرت في الأشهر الأخيرة بتعيين الكفاءات الشابة يمكن وضعها في سياق الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية (2025–2026) التي اعتمدها المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، لتشكل الإطار المرجعي للمرحلة المقبلة، حيث تركز على أربعة مجالات رئيسية تم اعتمادها كأولوية عمل وهي: الاستقرار الأسري، وصنع واتخاذ القرار، والمشاركة الاقتصادية، وجودة الحياة، ويشمل كل مجال عددًا من المبادرات التي تم تصنيفها وتوزيعها بحسب محاور الخطة الخمسة: السياسات، الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة، التوعية والتدريب، التدقيق والرقابة، المتابعة والتقييم.
أعتقد أن هذه الخطة تمثل الانتقال من مرحلة التمكين إلى القيادة الفاعلة في مجالات متقدمة مثل التحول الرقمي، والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وتضع المشاركة في صنع القرار والمشاركة الاقتصادية وجودة الحياة كأولويات وطنية واضحة.
إن هذا الحراك يأتي استمرارا للمسيرة الإصلاحية، واقعًا يتجلّى في نسب التمثيل والمشاركة، وفي سياسات وبرامجَ تُدار من قِبل مؤسسات الدولة وعلى رأسها المجلس الأعلى للمرأة، بما يعكس اهتمام جلالة الملك المعظم وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بترسيخ شراكة المرأة في التنمية على أساس الجدارة والتنافسية.
تعيينات نوعية تعكس الثقة بالكفاءات النسائية الشابة
تنفيذيًا ومؤسسيًا تُظهر المؤشرات الرسمية والدولية أنّ الدولة دفعت بمشاركة المرأة في جهازها العام من «التمثيل» إلى «القيادة». فبحسب تقديرات رصينة، تشكّل النساء أكثر من نصف القوى العاملة في القطاع العام، ونحو 45% من مواقع القيادة في الجهات الحكومية، وهي قفزةٌ ترتبط بإصلاحات الهيكلة والجدارة والقياس الدوري للأداء، وتُظهِر بيانات حكومية موازية ارتفاع مشاركة المرأة الحكومية من 38% تاريخيًا إلى نحو 56%، ما يعكس حدّة المنحنى التصاعدي في الإدماج المؤسسي.
اقتصاديًا، تتجاوز صورة المشاركة حدود التوظيف إلى أثرٍ أوسع في الإنتاجية والتحول الاقتصادي، فمعدّل مشاركة النساء في قوة العمل بلغ قرابة 43% عام 2024 وفق بيانات البنك الدولي، وهو رقم يتقدّم بثبات مع استراتيجية تنويع الاقتصاد والانتقال نحو الاقتصاد المعرفي. كما سجّلـت المملكة 68.1% على مؤشر «المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2024» للبنك الدولي، وهو قياسٌ تشريعيٌّ مهمّ يعكس بيئةً قانونيةً تُسهّل دخول المرأة سوق العمل واستمراريتها والتقدّم في مسيرتها المهنية. إلى ذلك، تحسّن ترتيب البحرين في تقرير الفجوة بين الجنسين لعام 2025، مع ارتفاع الدرجة الإجمالية إلى 68.4% مقارنةً بـ66.6% في 2024، في دلالة على أن التحسينات ليست ظرفية بل تراكمية.
أرقام ومؤشرات تعكس التحول من التمثيل الرمزي إلى القيادة المؤثرة
في المضمار الدبلوماسي، يظهر الحضور النسائي بصورةٍ متزايدة داخل السلك الخارجي والتمثيل الدولي، مستندًا إلى بيئةٍ مؤسسيةٍ داعمة وبرامج تأهيلٍ تخصصية. وتشير البيانات الرسمية إلى نموّ ملحوظ في نسب تواجد البحرينيات في الوظائف الدبلوماسية، مسنودًا بخطط المجلس الأعلى للمرأة وبرامج الحكومة لبناء قياداتٍ نسائيةٍ في الملفات ذات الأولوية الوطنية. الأهم أنّ هذا التقدم يوازيه إبرازٌ دوليٌّ لصورة البحرين كدولةٍ تُقدّم نموذجًا عمليًا للشراكة بين الجنسين، وهو ما ينعكس على موقع المملكة في المحافل الأممية والإقليمية.
إن تراكم هذه المؤشرات لا ينفصل عن بنيةٍ إصلاحيةٍ واضحة. فخطة «المرأة البحرينية 2025–2026» تركّز على الانتقال من التمكين إلى القيادة في مجالاتٍ كالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وتضع المشاركة في صنع القرار وجودة الحياة والمشاركة الاقتصادية في قلب الأهداف، بما يعيد تعريف التمثيل من كونه حضورًا كميًا إلى أثرٍ نوعي في السياسات العامة. وتواكب هذه الخطة رسائل حكومية متكررة تؤكد أنّ المرأة «شريكةٌ في صناعة القرار والتنمية»، وأن إبراز قصص نجاحها في الإدارة والاقتصاد والمجتمع بات جزءًا من السردية الوطنية المعاصرة.
الحضور النسائي التشريعي صار جزءًا من ماكينة القرار
عند قراءة الصورة كاملة، تتبدّى ثلاثة معانٍ أساسية. أولها أنّ الرعاية السياسية ليست شعارًا بل منهج حوكميٌّ قائم على مؤشرات قابلة للقياس والتتبع؛ إذ تُرصد نسب المشاركة والقيادة دوريًا وتُبنى عليها قرارات التعيين والتأهيل والترقية. ثانيها أنّ الحضور النسائي في البرلمان ومجلس الشورى والقطاع العام لم يعد ديكورًا رمزيًا، بل صار جزءًا من ماكينة القرار، يختبر الملفات ويقترح السياسات ويقود فرق التنفيذ. ثالثها أنّ البيئة القانونية والمؤسسية هي التي تحمي هذا التقدم من الانتكاس، فكل نقطة تُضاف في «المرأة والقانون» أو في «الفجوة بين الجنسين» تعني انخفاض كلفة المشاركة وارتفاع عوائدها على الاقتصاد والمجتمع.
ولأن التجربة الإصلاحية لا تكتمل بلا عمقٍ اجتماعي، فإن الاستثمار في التعليم العالي والتخصصات المستقبلية، وتوسيع برامج رعاية رائدات الأعمال، وتسهيل العودة إلى المسار المهني بعد الانقطاع، كلها مساراتٌ مكمّلة حافظت على الانجازات التي تحققت مؤخرا، ومن هنا نجد أن الأرقام الحالية مبشّرة، لكن الحفاظ على الاتجاه الصاعد يتطلب استمرار قياس الفجوات داخل القطاعات، ومعالجة تمثيل النساء في بعض المواقع العليا والهيئات التنظيمية الحساسة، وتعميق حضورهن في الدبلوماسية الفنية وملفات العلوم والتكنولوجيا، حيث ينعكس الأثر على سمعة الدولة وقدرتها التنافسية.
خلاصة القول: ما يحدث في البحرين اليوم هو انتقالٌ متدرّجٌ ومدروسٌ من تمكين المرأة إلى قيادتها، ركيزتُه الرؤية الملكية والدعم الحكومي واتساق السياسات مع مؤشرات دولية ووطنية قابلة للقياس. إنّ نسبة 20% في مجلس النواب و25% في مجلس الشورى، وتقدّم المرأة إلى نصف القوى العاملة الحكومية ونحو 45% من مواقع القيادة في الجهاز العام، وارتفاع مشاركتها الاقتصادية الكلية إلى قرابة 43%، ليست أرقامًا عادية بل شواهد على مسارٍ تاريخي يرسّخ الشراكة ويحوّلها إلى قيمةٍ مؤسسية دائمة، ومع كل دورةٍ انتخابية وكل تقريرٍ دولي جديد، تتأكد حقيقة بسيطة: المرأة البحرينية اليوم في صلب عملية التطور والازدهار في كافة المجالات.