الرئيسية / مقالات / لا جدراننا البيضاء ولا نحن فاقدين الذاكرة..بقلم منى الروبي

لا جدراننا البيضاء ولا نحن فاقدين الذاكرة..بقلم منى الروبي

الإرث الإنساني هو سجل يحمل في طياته قصص البشرية، وأحلامها، وصراعاتها، ونجاحاتها.، هو أساس هويتنا الجماعية الموثقة، ومرجع يساعدنا على فهم تاريخ الشعوب بشكل حقيقي. يفتح لنا الإرث الإنساني نافذة على الثقافات المتنوعة ويعزز الاحترام المتبادل بين الشعوب.
فالننظر الى اللوحات الفنية ، حيث وثّقت اللحظات الحاسمة والانتصارات الكبرى. لوحة “نابليون يعبر جبال الألب” للفنان جاك لوي دافيد تجسد عظمة القائد الفرنسي خلال حملاته العسكرية. في هذه اللوحة، نرى نابليون يمتطي جواده، وكأنه يتحدى الزمن، مما يعكس قوته وعزيمته التي جعلته أحد أبرز القادة في التاريخ. لوحة أخرى تحمل أهمية تاريخية هي “معركة واترلو” التي رسمها ويليام سادلر. هذه اللوحة تصور اللحظة الفاصلة التي شهدت هزيمة نابليون، وتوضح أهمية التوثيق الفني في فهم التحولات الكبرى. دون هذه اللوحات، ربما كانت بعض تفاصيل هذه المعارك ستظل طي النسيان.

على الجانب الروحي، تُعتبر لوحة “العشاء الأخير” لليوناردو دا فينشي واحدة من أعظم الأعمال الفنية التي جسدت مشهدًا دينيًا بعمق فلسفي وإنساني. هذه اللوحة تصور اللحظة التي كشف فيها المسيح عن خيانة أحد تلاميذه، وتحمل رسائل عن الوفاء والخيانة والصراع الإنساني الداخلي. لوحة “مدرسة أثينا” لرافائيل تقدم هي الأخرى توثيقًا فلسفيًا للحضارة الإغريقية وتأثيرها على الإنسانية، حيث تجمع أبرز الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو في إطار يمزج بين الواقعية والتجريد.

تسعى الأقليات للحفاظ على هوياتها الثقافية بإصرار لأنها تدرك أن ثقافتها هي مصدر قوتها واستمراريتها. مثال على ذلك، تسعى “مؤسسة إحياء التراث الفلسطيني” إلى حماية الموروث الثقافي الفلسطيني، بينما يحافظ السكان الأصليون في أمريكا على تاريخهم عبر الفنون التقليدية.

للأسف، تعرضت العديد من الآثار للسرقة أو التدمير في سياق الاستعمار أو بدوافع أيديولوجية. استولت القوى الاستعمارية على كنوز مثل المخطوطات الإفريقية من تمبكتو، بينما دُمرت آثار تدمر في سوريا على يد التنظيمات الإرهابية. ومع ذلك، تبقى هذه الأعمال الفنية والآثار شاهدة على مقاومة الشعوب وحفاظها على إرثها.

الثقافة ليست ترفاً، بل هي أساس التطور الإنساني. عبرها، تتطور العلوم، وتُبنى الفنون، وتُنشأ القوانين. إنها تجمع بين الأصالة والحداثة، وتمنح الشعوب القوة للتقدم. إن الحفاظ على الإرث الإنساني ضرورة لفهم هويتنا وضمان مستقبل أكثر استنارة وعدلاً. الفن والإرث الثقافي هما ذاكرة البشرية التي تساعدنا على معرفة من نحن وأين نتجه، مؤكدين أن الحضارة لا تزدهر إلا بالعودة إلى جذورها.