كرست مدارس العلاقات الدولية الاهتمام البحثي للدول الكبرى والقوى العظمى، مقارنة بالدول الصغيرة، ومع مرور الوقت، أدى الاختلاف حول معايير القوة والحجم إلى التشجيع على دراسات الدول الصغيرة، خصوصاً وأن صغر حجم الدولة يحفز تطورها، وتبنيها رؤى وبرامج حول الإصلاح والتنمية والأمن والسلام، تقدمها لشعوبها ومنطقتها والعالم.
وتعرف الأمم المتحدة، الدولة الصغيرة بأنها “كيان صغير في مساحته، وعدد سكانه، وموارده البشرية والاقتصادية”، دون تحديد واضح لحجم الصغر أو الكبر، ولتجاوز هذه الإشكالية، يفسر مصطلح “الهيبة والنفوذ” قدرة الدولة على التأثير في منطقة جغرافية أو إقليم محدد أو على الصعيد العالمي.
والمثال الأوضح على ذلك هو بريطانيا في بداية القرن العشرين، التي بسطت نفوذها وتأثيرها على حوالي 23% من سكان العالم، وغطت سنة 1920 نحو 24% من مساحة الأرض، ولقبت في أوج هيمنتها بـ “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”.
وفي كتابه “نادي الدول الصغيرة: كيف يمكن للدول الصغيرة الذكية إنقاذ العالم؟” “2024”، يقدّم رئيس الوزراء ورئيس أرمينيا السابق أرمين سركيسيان، من خلال أسفاره واجتماعاته وخبرته كدبلوماسي ورئيس دولة، العديد من الدول الصغيرة، محاولاً اكتشاف كيف أصبح لها نفوذ وولدت من جديد عندما لم يكن الأمر محتملاً.
ويحدّد سركسيان 4 مكوناتٍ رئيسة لنجاح الدول الصغيرة، وهي: الهوية الوطنية القوية، القيادة المتينة، الرؤية الوطنية الواضحة، والتخطيط الاستراتيجي المنهجي، مفترضاً أنّ الدول الصغيرة بارعة ليس فقط في تحقيق الإنجازات الاقتصادية والتكنوقراطية، بل يمكنها أن تلعب أيضاً دوراً أخلاقياً في النظامين الدولي والإقليمي.
وقبله بنحو عشر سنوات، أصدر الأكاديمي التشيكي د. ميتشل بلفر، كتاباً بعنوان: “دولة صغيرة في منطقة خطيرة”، تحدث فيه عن البحرين، ومجتمعها متعدد الثقافات الذي يتميز بالتنوع والوحدة، مقترحاً أن يكون الجانب الأمني في قمة أجندة اهتمامات البحرين، إضافة إلى الاعلام والتعليم، مشدداً على أهمية تعزيز الهوية والوحدة الوطنية والنمو لتحقيق الحماية من أي حراك مدمر والجيران المتحفزين للتدخل.
وأكد بلفر في كتابه أن القيادة البحرينية استطاعت أن تنهض بشعبها وتجعل من البحرين ليس موقعاً جغرافياً فقط ولكنها فكرة تحض على التسامح والتلاقي بين الشرق والغرب مما يجعل البحرين هي الباقية بحكمة قادتها، بينما دول أخرى هي التي ستتغير بتغيير قياداتها.
أما سيركسيان، فيذكر في كتابه إن للدول الصغيرة مزاياها الفريدة، مثل الموقع الجغرافي، والمواهب المحلية، والبراعة، والموارد الطبيعية، من أجل بناء اقتصاداتٍ ديناميكية ولعب أدوار مؤثّرة في الجيوبولتيك الإقليمية، مدللاً على ذلك بسنغافورة وديناميكيتها الاقتصادية وفطنتها الدبلوماسية، وبوتسوانا التي تحظى بالثناء لحكمتها الاقتصادية وإدارتها.
إن مكونات النجاح الأربع التي ذكرها سيركيسيان، “وركز بلفر على ثلاة مكونات، هم: القيادة والمجتمع المتنوع والرؤية الوطنية”، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي والعلاقات التجارية الدولية القوية والطموحات من أجل أن تصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً للأعمال والابتكار، تمنح مملكة البحرين أدواراً رمزية وواقعية كجسور في الشؤون الدولية، ومستويات مهمة من النفوذ والقوة الرمزية.
صحفي مصري مقيم في البحرين