الرئيسية / ثقافي / الإنتماء الوطني “المتين” !..بقلم حمدي عبد العزيز

الإنتماء الوطني “المتين” !..بقلم حمدي عبد العزيز

Hamdi.a.aziz996@gmail.com

كان الحارس البحريني لطف الله الترند الأول في (خليجي 26)، خصوصاً بعد أن علق المذيع العماني الشقيق قائلاً: “اضرب بالخمس ولا تبالي طالما ستحمي عرين البحرين”، وسيّر لطف الله المباريات والترند بحكمة بحرينية، حتى نال كأس البطولة وجائزة أفضل حارس، وعندما طلب منه مذيع قناة الكأس الرد قال: “خلهم “الجائزتين” جنب المجبوس”!.

لم تكن البحرين من المرشحين للفوز بالبطولة، لكن اللاعبين كان لديهم حلم، وأبرزوا مع الحكمة في التعامل مع ترند “المتين”، ثراء الهوية البحرينية، وحركهم الإنتماء الوطني لإنجاز شيء لوطنهم وقيادتهم وشعبهم وأنفسهم.

ووقف خلفهم جمهور يعرف قدر وطنه تماماً، عندما رفع لافتة “كبيرة يا البحرين” في المدرجات في كل مباراة، ولوح بعلم بلاده في شوارع الكويت بعد كل فوز، وفي شوارع وطنه عند “الفرحة الكبيرة” في ليلة مفرحة باتساع الأرض والبحر.

لقد قيل إن البحرين تحتاج إلى جيلين على الأقل لتجاوز أزمة 2011، لكن ما جرى في خليجي 26 وبعد الفوز بالكأس، كان إيذاناً بببناء مفاجئ للهوية الوطنية التي تتغلب على كل الصعاب والمخاوف والشكوك، إذا عرفناها بأنها “العوامل التي أساسها الهوية السياسية وتقوم على الانتماء والولاء للسلطة المركزية، فتمنح الإنسان، بصفته الفردية، والمجتمع بصفته مجموعة روابط الشعور بالوجود والانتماء والمصالح والمصير المشترك، وهذا الشعور يضمن استمرارية الجماعة، ويحمي كيانها”.

وما جرى من أحداث خلال (خليجي 26) صاحبها كثير من الدموع فرحاً!، أثبت من ناحية أن التنوع في المجتمع ضمانة حقيقية، ومصدر إثراء، خصوصاً مع إدارة القيادة له بحنكة واقتدار بإرساء المواطنة. ومن ناحية أخرى تسابق الجميع سواءً المشجعين أو المواطنين على التغني بالولاء للوطن بطريقة طبيعية، مما عزز الهوية الوطنية، التي لا تعني غياب هويات فرعية أصغر، ففي جميع مجتمعات العالم توجد هويات أصغر تميّز الجماعات في المجتمع الأكبر الذي يجمعها في هوية وطنية عامة تستوعب الجميع.

ويجب أن تكون العلاقة بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية متوازنة بمعنى أن تقوم على الاحترام والاستيعاب المتبادل، وهذا الأمر “عملية”process  تتطلب وقتاً وجهوداً، وما يضمنها المواطنة، التي تمنح جميع المواطنين حقوقاً، وترتب عليهم مجموعة من الالتزامات تسمى الواجبات.

وإذا كان ذلك كذلك، فإن الهوية الوطنية تعادل الانتماء الوطني القائم على المواطنة التي تحترم الحقوق والواجبات وكافة مكونات المجتمع. ويمكن النظر إلى مبادرة الانتماء الوطني “بحريننا” بأنها لا تمثل تطوراً نوعياً لدعم السياسة الأمنية فقط، بل إن التنفيذ الفعال لها يعتبر خطوة إستباقية وإستشرافية للوقاية من كافة التهديدات، وتحقيق الانتقال من الهويات الفرعية إلى الهوية الوطنية بما يعزز الأمن الوطني.

إن بناء الهوية الوطنية الجامعة، “عملية”، كما هو مشار إليه، وعادة ما تكون هذه العملية أسهل وأسرع في المجتمعات التي لا تتميّز بالتعددية، لكن البحرين أثبتت في “خليجي 26” أنها تغلب الوطنية الجامعة والدين الجامع والعيش التاريخي المشترك والديمقراطية، لكي تكون واحة سلام للجميع ضمن عروبتها وإسلامها ووطنها العربي الكبير.

ويعتبر هذا البناء آلية دفاعية متينة لتحقيق الأمن الوطني، ومواجهة جميع التهديدات الفعلية والمحتملة والكامنة، وفي مقدمتها جميعاً العنف والطائفية، ويشير التعريف المبسط للأمن الوطني بأنه “قدرة الدولة في الحفاظ على أمنها واستقرارها ومكتسباتها الحضارية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية”.

وما جرى في (خليجي 26)، من أفراح ودموع وإنجاز تاريخي، أثبت أن بناء الهوية الوطنية مسؤولية جماعية، وليست ملقاة على عاتق الحكومة فقط، وإنما هو مسؤولية تشترك فيها كافة مؤسسات الدولة، الحكومية والخاصة، والمجتمع المدني، ورجال الدين، ووسائل الإعلام، والمواطنين أنفسهم.

*صحفي مصري مقيم في البحرين