في كل عام، يلجأ الناس للأبراج والطالع بحثًا عن إجابات لمستقبلهم المجهول، كنوع من التسلية في أغلب الأحيان ولكن إذا نظرنا إلى الفن وكيف تناول السحر، سنجد رؤية أكثر عمقًا وغموضًا. الفن لم يكن يومًا مجرد وسيلة للتعبير عن المظاهر السطحية، بل كان دائمًا نافذة لاستكشاف الأبعاد النفسية والمجتمعية. السحر، الذي يمزج بين الخوف والجاذبية، شكّل مصدر إلهام قويًا للفنانين عبر العصور، مما أخرج أعمالاً غنية بالرمزية والأبعاد الفلسفية.
في لوحة سيرسي (Invidiosa) لجون ويليام ووترهاوس، نجد تجسيدًا مثيرًا للصراع الإنساني مع القوة والرغبات المحرمة، سيرسي الساحرة الأسطورية، تظهر وهي تسكب جرعتها السحرية، محاطة ببحر أزرق عميق يضفي شعورًا بالتوتر والغموض، هنا يصبح السحر أكثر من مجرد قوة خارقة؛ إنه انعكاس للغيرة والتحولات التي تحدث داخل النفس البشرية.
وعند الانتقال إلى لوحة (Sabbath Witches) لفرانسيسكو دي غويا، نجد منظورا آخر للسحر، حيث يظهر كقوة مخيفة ومظلمة، غويا المعروف بقدرته على سبر أغوار النفس الإنسانية، يصور الشيطان محاطًا بساحرات في طقس غريب، اللوحة تفتح باب التساؤل حول دور المجتمع في خلق هذه الصور النمطية المرعبة، مما يجعل العمل نقدًا خفيًا للهستيريا الجماعية التي صاحبت اتهامات السحر.
لوحة “الساحرة على المكنسة” تقدم صورة مألوفة ولكنها تحمل دلالات غنية. الساحرة التي تطير عبر سماء مظلمة ترمز إلى التمرد على القيود الاجتماعية، بينما تشير إلى رغبة الإنسان الدائمة في التحرر من الواقع عبر قوى خارقة.
وأخيرًا، لوحة “الليلة المرصعة بالنجوم للسحرة” لهنري فوسيلي تأخذنا إلى عالم من الأحلام والهواجس. الأضواء الخافتة والظلال المتحركة تعكس تصوراتنا الغامضة عن السحر، وكأن الفنان يدعونا للتساؤل: هل السحر تجسيد لمخاوفنا الداخلية، أم أنه انعكاس لاحتياجاتنا للشعور براحة البال بدل القلق الدائم الذي فرض علينا ؟
من وجهة نظري، الفن الذي تناول السحر لا يقتصر على تقديم الخيال، بل يكشف عن الأبعاد النفسية والمجتمعية للإنسان. هذه اللوحات تأخذنا في رحلة لاستكشاف علاقتنا بالمجهول، وعطشنا لمعرفه الطالع .. مما يجعلها أعمالا ذات صلة دائمة بعالمنا المليئ بالتساؤلات.