الرئيسية / ثقافي / بين الواقعية والتعبيرية والانطباعية..رؤية شخصية-منى الروبي

بين الواقعية والتعبيرية والانطباعية..رؤية شخصية-منى الروبي

تتمتع المدرسة الواقعية بجمالياتها الخاصة التي تعتمد على التكنيك العالي للضوء والظل، إذ تعكس بدقة ووضوح تفاصيل الحياة اليومية. إلا أن هذا النوع من الفن، رغم بساطته وروعته التقنية، يفتقر أحيانًا إلى مساحة التفاعل والتأويل الذي يجعل اللوحة محورًا للنقاش والمناظرة. يرى الفيلسوف نيتشه أن “الفن يجب أن يثير العواطف ويشعل الفكر”، وهذا ما يبرر توجه العديد من الفنانين والفلاسفة نحو مدارس أكثر تعبيرًا وتنوعًا مثل التعبيرية والانطباعية.

في تأثير الكنيسة على الواقعية، نجد أن الرسم الواقعي كان أداة أساسية للكنيسة خلال القرون الوسطى وحتى عصر النهضة للتعبير عن الإيمان والروحانية. استخدمت أعمال ليوناردو دا فينشي (1452-1519) ومايكل أنجلو (1475-1564) الواقعية بدقة فائقة لتوصيل رسائل دينية مؤثرة. لكن هذه السيطرة الدينية قللت من حرية الفنانين في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، مما دفع لاحقًا إلى ظهور مدارس فنية أكثر حرية مثل الانطباعية، التي تحدت القيود التقليدية وقدمت رؤية جديدة للفن.

الانطباعية والانطلاقة الجديدة ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر مع لوحات كلود مونيه (1840-1926)، مثل لوحة “انطباع: شروق الشمس” عام 1872. هذه المدرسة كسرت قيود الواقعية من خلال تركيزها على الضوء، اللون، والمشاعر اللحظية. قال مونيه: “لا أريد رسم الأشياء كما هي، بل كما أشعر بها”. وقد أثرت الانطباعية على وعي المجتمعات بشكل كبير، حيث جلبت تقديرًا للحظة وفتحت المجال للتأمل والتعبير الحر.

مع توسع الحركة الفنية، ظهرت التعبيرية: الفن كتفاعل إنساني، التي برزت بشكل كبير في القرن العشرين مع فنانين مثل إدفارد مونك (1863-1944). في لوحته الشهيرة “الصرخة”، عبر مونك عن القلق الإنساني بعمق مذهل. يرى الفيلسوف جان بول سارتر أن “الفن ليس مجرد انعكاس للواقع، بل وسيلة لفهم الذات والآخر”. هذا المفهوم يعكس أهمية التفاعل الإنساني مع اللوحة، حيث تُصبح اللوحة تجربة حية تتحدى المشاهد وتحفزه على التفكير والنقاش.

الواقعية مقابل التعبيرية والانطباعية تكشف عن اختلاف جذري في رؤية الفن. من أبرز فناني الواقعية غوستاف كوربيه (1819-1877)، الذي ركز على تصوير الفلاحين والحياة اليومية. أما التعبيرية والانطباعية، فقد أثرت بشكل مباشر على وعي المجتمعات، مثل تأثير الانطباعية في فرنسا بعد الثورة الصناعية، حيث جلبت رؤية جديدة للحياة الحضرية والطبيعة.

من وجهة نظري الشخصية فإن الفن ليس مجرد لوحة تُرى، بل تجربة تعكس التنوع الإنساني، وتفتح أبواب الخيال والنقاش والتغيير المجتمعي.