في أزمنة بعيدة كان هلاك بعض الأمم نتاجاً لعدم مراعاة ضوابط المسألة الجنسية، أما في عصر “الجندر” و”الصورة” فقد صارت هذه الحاجة الإنسانية مرادفةً للرغبة والشهوة والإستباحة!، لذلك لن يكون من المستغرب أن يخنق الزنا والخيانات والتحرش والإغتصاب مجتمعاتنا.
إن الميل العاطفي ليس جريمة، إنما المرفوض في الفطرة هو تلك الشهوانية بلا ضوابط، التي تعقبها الآلام والعواقب الوخيمة، فردياً وأسرياً ومجتمعياً. ويمكن علاج العشق بالزواج أولاً ففي حديث النبي الكريم: “لم نر للمتحابين مثل النكاح”، وحرم القرآن الزنا في قوله تعالى: “َولَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا”، (الإسراء، 32)، ويعتبر من الكبائر التي تهدد الأمة بالاختلاط في الأنساب والأموال.
وتخلق العلاقة الجنسية قبل الزواج أمراضاً بدنية واضطرابات نفسية وتجمع رفقاء السوء، كما تؤدي إلى ظاهرة مخيفة هي “الأطفال مجهولي الأبوين”، الذين يعانون في التربية والتعليم ونظرة المجتمع والزواج، وليس لهم ذنب.
أما الحب بين الزوجين فهو ضرورة، فلا توجد حياة زوجية سعيدة بدونه، والكثير من الأزواج، الذين يفتقدون الحب وتكون العلاقة بينهم هي مجرد رغبة جنسية، لا يفرقون بين الحب والرغبة الجنسية. وخلصت دراسة كندية إلى أن الأشخاص السعداء في علاقاتهم العاطفية، يمتلكون آلية حماية طبيعية تمنعهم من الوقوع في فخ الخيانة الزوجية.
لكن مؤسسة الأسرة والزواج تتعرض لمشكلات كثيرة في مقدمتها الخيانات وتعدد العلاقات، مما يعكس عدم الوفاء والإخلاص، ويوفر كلاً من العصر الرقمي والدراما التلفزيونية والسينمائية فرصاً هائلة لهذه الخيانات!. وقام المجلس القومي للمرأة في مصر بتحليل الأعمال الرمضانية 2018م “29 مسلسلاً”، راصداً 20 قضية للمرأة، منها: المشاكل الأسرية، العنف ضدها، العمل، تربية الأبناء، التمكين، التحرش، التمييز، الثأر، الإجهاض، التعليم، الطلاق، المخدرات، ابتزاز المرأة، تعدد الزوجات، وغيرها، ومؤكداً أن الدراما الرمضانية تحرض على “الخيانة الزوجية” وتبررها درامياً، تحت مسمى الحب مما يجعل المشاهد يتعاطف مع هذه الشخصيات وهذا يمثل تهديداً لقيم وأخلاقيات المجتمع.
إن مصطلح “النكاح” -الذي هو فعل الجنس- يعني في الاسلام “الزواج”، مما ينبئ عن وضوح اللغة والمشرع في تناول الجنس -هذا التناول- من أي إدانة أخلاقية، ويجعل الزواج في نفس الوقت ميثاقاً غليظاً يقوم على المودة والرحمة، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
كما تسمو السنة المطهرة بالجنس، وتنظر إليه نظرة فطرية واقعية، وتعرضه في إطار من الطهر والعفاف الذي يجمع بين الجانب الدنيوي “المتعة الجسدية” وبين الجانب الديني “التعبدي”، كما ورد في الحديث الطويل: ” … وفي بُضع أحدكم صدقة..”.
ولم يكتف علماء الإسلام؛ ومنهم على سبيل المثال السيوطي 911هـ/1505م بإفراد بعض الكتب للحديث عن الجنس، وإنما تحدث بالتفصيل عن “الحركات الجنسية” وعرضها بجرأة ولكن في إطار من الحياء؛ فأورد 900 مصطلحاً للنكاح.
والآن حان الوقت لتحرير كلمات الحب والغريزة واستعادة دين وخلق الحياء، من سطوة الجندر والصورة وعدم قصر الحديث عنهما في مصطلح “التربية الجنسية” وهذا موضوع نقاشنا القادم بمشيئة الله.
- صحفي مصري مقيم في البحرين