تكمله لمقالي السابق والذي تزامن مع يوم المرأه البحرينية سألقي الدور على الدور المحوريً للمرأه في تطور الفنون في الحضارة إبان الدولة الاسلامية (العربية)، حيث أسهمت في مختلف المجالات الفنية من الشعر والغناء إلى الفنون التشكيلية والحرف اليدوية على مر العصور، ظهرت نساء عربيات تركن بصمة في تاريخ الفنون، مما يعكس عمق تأثيرهن في بناء الهوية الثقافية للمجتمعات العربية.
في العصر الجاهلي، كانت المرأة تُعتبر ركنًا أساسيًا في المشهد الثقافي. برزت شاعرات مثل الخنساء (575-645 م)، التي اشتهرت برثائها العاطفي لشقيقها صخر، ما جعلها أيقونة للأدب العربي، كذلك ساهمت المغنيات في إحياء الأمسيات الشعرية في قبائل الجزيرة العربية، حيث كانت المرأة تتقن التعبير عن قضايا مجتمعها من خلال الصوت والكلمة.
مع بزوغ شمس الحضارة الإسلامية انتقل دور المرأة إلى مجالات أوسع، ففي العصر العباسي على سبيل المثال، ظهرت شخصيات مثل عريب المأمونية (797-890 م)، التي كانت مغنية وشاعرة مشهورة في بغداد، ساهمت في تطوير الموسيقى والشعر الغنائي، مما جعلها رمزًا للإبداع الفني في ذلك العصر الذهبي في الأندلس، تميزت النساء في فن الزخرفة والنسيج، خاصة في مدن مثل قرطبة وغرناطة، حيث أبدعن في إنتاج الأعمال الفنية التي لا تزال تدهش العالم.
لم يكن دور المرأة مقتصرا على الإبداع الفردي فقط، بل كانت حامية للتراث الثقافي والحِرف اليدوية. في القرى العربية مثل الفسطاط بمصر وفاس في المغرب، برعت النساء في تطريز الملابس وإنتاج السجاد، حيث امتزجت الفنون التشكيلية بالحياة اليومية، مما عزز مكانة المرأة كعنصر أساسي في الحفاظ على الهوية الثقافية.
أما في البحرين برزت الأستاذة بلقيس فخرو كواحدة من أبرز الفنانات التشكيليات، وفي رأيي وكوني فنانة بحرينية ليست على مستوى البحرين فحسب بل الخليج العربي، وعملها الفني متقن وانسيابي ومن ثنايا ألوانها تظهر طاقة الأنوثة، فهي ليست حادة الأطراف أو انتقاله بين الأوان فيه منحنيات و ليست من الحِدة التي تعطي شعورا ذكوريا، فهي تدمج بين الأصالة والحداثة من جهة أخرى.
في السودان تُعتبر سميرة إسماعيل من الرائدات في مجال الفنون التشكيلية، حيث تعكس أعمالها الهوية السودانية بألوانها الزاهية ورموزها الثقافية العميقة، واسمحوا لي كذلك الوقوف هنا قليلا لأقول أن تأثر لوحاتي بالألوان الزاهية تأتي من مصدرها الأصلي (افريقيا) حيث مكامن الجمال الطبيعي، ساهمت هؤلاء الفنانات في إيصال الثقافة العربية إلى المنصات الدولية من خلال المعارض حول العالم .
مع بداية القرن العشرين شهد العالم العربي نهضة فنية لعبت فيها المرأة دورا رائدا، ظهرت فنانات تشكيليات مثل إنجي أفلاطون (1924-1989م) في مصر، التي استخدمت لوحاتها لتسليط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مثل الفقر وحقوق المرأة، كما برزت لطفية السيد (1872-1945 م) كأحد أوائل الداعيات إلى تمكين المرأة عبر الفنون والتعليم، مما ألهم أجيالًا جديدة من المبدعات.
في العصر الحديث تستمر المرأة العربية في ترك بصمة عالمية تُنظم معارض دولية لفنانات عربيات مثل منى حاطوم وشروق أمين، اللاتي يُعبِرن عن قضايا الهوية والبيئة وحقوق الإنسان. ورغم التحديات، مثل القيود المجتمعية ونقص الفرص، فإن المرأة العربية تواصل تحقيق الإنجازات والإسهام في المشهد الثقافي.
ختامًا، يشكل دور المرأة في الفن العربي جزءًا لا يتجزأ من حضارة المنطقة. من الكوفة إلى دمشق، ومن قرطبة إلى القاهرة، ومن المنامة إلى الخرطوم، كانت المرأة دائمًا مصدرا للإلهام والإبداع، مما يؤكد أن تقدير إسهاماتها ليس فقط اعترافا بالماضي، بل استثمارا في مستقبل الفنون والثقافة.