الرئيسية / مقالات / الفن التشكيلي: رحلة عبر الزمن وتأثيره على الثقافة العالمية- بقلم منى الروبي

الفن التشكيلي: رحلة عبر الزمن وتأثيره على الثقافة العالمية- بقلم منى الروبي

الفن التشكيلي، أو الفن البصري، هو أحد أقدم أشكال التعبير الإنساني، حيث يعود تاريخه إلى آلاف السنين، بدءًا من الرسومات الصخرية في كهوف لاسكو في فرنسا (حوالي 17,000 سنة قبل الميلاد)، وصولًا إلى الأعمال الفنية المعاصرة التي تعكس قضايا العصر الحديث. هذا الفن ليس مجرد لوحات أو منحوتات، بل هو مرآة تعكس ثقافات الشعوب وتاريخها وتطلعاتها.

في القرن الخامس عشر، شهد الفن التشكيلي تحولًا كبيرًا مع ظهور عصر النهضة في إيطاليا، حيث برز فنانون مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو ورافائيل، أعمال مثل “الموناليزا” لدافنشي و”خلق آدم” لمايكل أنجلو في كنيسة سيستين أصبحت أيقونات عالمية، تُدرس حتى اليوم في كليات الفنون. هذه الفترة لم تكن مجرد تطور تقني في استخدام المنظور والألوان، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن فلسفة إنسانية جديدة.

في القرن التاسع عشر، ظهرت حركات فنية مثل الانطباعية، التي قادها فنانون مثل كلود مونيه، وإدغار ديغا. هذه الحركة ركزت على التقاط اللحظات العابرة وتأثير الضوء، مما أحدث ثورة في مفهوم الفن التشكيلي. لاحقًا، جاءت التكعيبية بقيادة بابلو بيكاسو وجورج براك، التي كسرت الصور التقليدية وقدمت رؤية جديدة للواقع من خلال الأشكال الهندسية.

في القرن العشرين، شهد الفن التشكيلي تطورات جذرية مع ظهور السريالية (مثل أعمال سلفادور دالي) والتجريدية (مثل أعمال جاكسون بولوك). هذه الحركات فتحت الباب أمام تفسيرات لا نهائية للفن، حيث أصبحت المشاعر والأفكار المجردة جزءًا أساسيًا من العمل الفني.

اليوم، يُعتبر الفن التشكيلي أكثر من مجرد لوحات معلقة على الجدران؛ فهو أداة قوية للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية. فنانين مثل بانكسي، الذي يستخدم فن الجرافيتي لنقد الأنظمة السياسية، أو يوكي كوساما، التي تعالج قضايا الصحة العقلية من خلال أعمالها التجريدية، يثبتون أن الفن التشكيلي ما زال وسيلة مؤثرة للتغيير.

في العالم العربي، برزت أسماء مثل محمود سعيد وفاطمة المحروقي، الذين مزجوا بين التراث العربي والحداثة الفنية، معرض “أرتي دبي” السنوي أصبح منصة مهمة لعرض الأعمال الفنية المعاصرة في المنطقة، مما يعكس تزايد الاهتمام بالفن التشكيلي كجزء من الهوية الثقافية.

الفن التشكيلي، بكل أشكاله، يبقى شاهدًا على تطور البشرية، ووسيلة للحوار بين الثقافات. في عصر التكنولوجيا، أصبحت المنصات الرقمية وسيلة جديدة لعرض الأعمال الفنية، مما يفتح آفاقًا جديدة لفنانين جدد ليتركوا بصمتهم على العالم.