الرئيسية / أخبار / للانطباعية عنوان..بقلم/ منى الروبي

للانطباعية عنوان..بقلم/ منى الروبي

في صباح باكر من عام 1872م وقف كلود مونيه على رصيف ميناء (لو هافر) يتأمل الأفق الرمادي. لم يكن الطقس مثالياً، والضباب يلف المدينة كوشاح شتوي. لكنه أخرج فرشاته، وببضع ضربات سريعة، رسم ما سيصبح لاحقًا شرارة ثورة فنية: “انطباع شروق الشمس” لوحة لم تفهمها الصحافة حينها، وسخر أحد النقاد قائلاً: “مجرد انطباع!”. لم يعلم أن هذه الكلمة ستكون بداية حركة فنية غيّرت مجرى الفن: الانطباعية.

لم يكن مونيه مجرد فنان يرسم الطبيعة، بل كان يرسم الضوء في الطبيعة، شُغفه بالألوان المتغيرة دفعه إلى رسم سلسلة كاملة من اللوحات لمكان واحد في أوقات مختلفة، كما فعل في سلسلة (كاتدرائية روان) حيث التقط التغيرات التي تصنعها الشمس على الأحجار القديمة، أما “زنابق الماء” التي ملأت حديقته في جيڤيرني، فكانت مشروع حياته الأخير؛ مئات اللوحات التي نقلت سكون الماء، ونعومة الضوء، وحوار الزهور مع السماء.

ذات مرة، زارته طفلة صغيرة في معرضه وقالت “كأنني أسمع الزنابق تهمس!” ابتسم مونيه، وقال: “لقد فهمتِ لوحاتي أكثر من النقّاد!”.

أعماله الآن تزيّن أهم القاعات في العالم: متحف أورسيه في باريس، متحف المتروبوليتان في نيويورك، ومتحف مارموتان مونيه الذي يحتضن “انطباع شروق الشمس”، وهناك يقف الزوار مدهوشين أمام ضربات فرشاته التي لا تحدد الشكل بدقة، بل تترك للمشاهد أن يشعر… أن يتأمل… أن ينغمس.

تأثيره لا يُقاس فقط بالريشة، بل بالرؤية. ألهم مونيه فنانين كُثر، من فان غوخ إلى سيزان، وأعاد تعريف العلاقة بين الفنان والطبيعة، بين العين والقلب لم يكن يرسم ما يرى فقط، بل ما يشعر به حين يرى.

كلود مونيه لم يترك خلفه لوحات فقط، بل ترك فلسفة: “الجمال لحظة، والفن هو القبض عليها قبل أن تهرب”.

وهكذا.. في كل مرة نقف أمام إحدى لوحاته، لا نرى فقط زهرة أو سماء، بل نرى قصة ضوء… تُروى بالألوان.