الرئيسية / ثقافي / د. فخرالدين عبدالعال يكتب عن السياحة في المغرب بلهجة سودانية

د. فخرالدين عبدالعال يكتب عن السياحة في المغرب بلهجة سودانية

فندق الخراف فى كازا الجميلة..

المغاربة دوما يرددون: انت فى المغرب ..فلا تستغرب

قد كانت كافة رحلاتى واقاماتى فى المغرب الزوين دسمة جدا ..واكثر دسامة من البصطيلة والرفيسة وطاجن الحوت.. وكفتة سمك الصير ( كفتة السردين).

وصديقى النصري رجل يطلق احكامه دوما فى الهواء الطلق ولديه اعتقاد ويقين راسخ بان نساء المغرب يسحرن الرجال ..ويؤكد بان جار له ذهب للمغرب..فنسى زوجته وعياله!  وتزوج مغربية عملت ليه عمل اى سحر ..!، ولمعرفتى بالمغرب من جوا على نمط معرفة صعايدة مصر من الصعيد الجوانى ..فلقد خالطت جميع طبقات وفئات المغاربة، والمثقفين والفنانين منهم نساءا ورجالا.. إلى باعة المسمن والحوت والخضر والفاكهة فى الشوارع.

ودخلت عمق البيوت المغربية العامرة بالحنية ..واكلت الكسكسي يوم الجمعة وختمت باللبن..وشربت اتاى منعنع طوله  متر كامل وصليت فى الزوايا والخلاوى والمساجد ..

وسحرتنى فاسية بابتسامتها النضرة ..وكادت أن تلحقنى ادريس جماع حسناء مراكشية دلوع غنوج ..سال من شعرها الذهب..اما فى اغادير فان السوسيات واعرات بزااف ..وحتى الزوجة المغربية عندما يسافر زوجها الى اغادير تفرش بيت بكاء عديل ..لاعتقادهن ان السوسيات واعرات فى السحر والشعوذة وسرقة الرجال ..والحقيقة المطلقة فان للسوسية جاذبية قد تجعل اسحق نيوتن يعدل فى قوانينه ..وينسى حتى اسمه!

وقد استهوانى فى اغادير فراولتها.

وطواجن حوتها، وزيت ارقانها المخلوط بعسل اغادير وزبدة لوزها (الأملو).

وابتسامة صباياها ..واصبحت اغادير فى حياتى محطة سنوية ..

احج اليها سرا ..حتى كشف الفيسبوك يوما مكانى ..وكان الحساب عسير فقد انزلق قلمى كما هو حاله الآن ..وانا فى مطعم اغاديرى بصحبة زوينة..وكنت جاهل بفنيات الفيسبوك الذى سجل مكانى!!وكانت احد ايامى السوداء ..وانا عاشق لكل شئ فى المغرب حتى لهجته الواعرة بزاااف ..

وصافى ..

واحن إلى دفء الأسر المغربية ..

والاكل المغربي عندى لا يعلى عليه وخصوصا الطواجن ..

واسماك المغرب ومأكولاته البحرية  ما بين الاطلسى والمتوسط والتى يعود بها الكهل صبيا  ..وزيتونه  وحنية اهله..وتدينهم الصوفى المتسامح والقبول بالاخر مهما كان مختلفا ..ومحبته كمان.

وبمناسبة قرب عيد الاضحى ..

تذكرت اول عيد اضحى قضيته بالمغرب وانا فى دهشه واستغراب حقيقى من الملصقات والاعلانات المضيئة للبنوك التى تعلن عن سلفيات لشراء خروف العيد ( الحولي) اى نعم والله سلفيات لشراء الخروف وبفوائد بنكية باهظة ..والمغاربة بقدر كراهيتهم لاغلبية زوارهم من السعوديين الذين يبحثون عن المتعة الحرام بين احضان اعناها الفقر والعوز ..

يحبون السودانيين والهلال والمريخ ..

ويمقتون زائرهم السعودي ويطلقون عليه ( الحولي)، اى الخروف !!.

ايامها كان لدى سائق مهذب جدا اسمه اسطى حميد يقاسم  هو واطفاله الثلاثة وزوجته وامه غرفة صغيرة بحمام متر فى متر مع اسرة اخرى مكونة من زوجين وطفل ..وكنت استغرب هذا الحال وخصوصا فى الصيف الذى لا يستطيع فيه حميد النوم ولكنه لا يتاخر ابدا عن موعد عمله ..

وقد اعتدت ان اراه قبل نصف ساعة اقلها من الموعد وهى يلمع وينظف السيارة فى انتظار خروجى للعمل ..وكان يستغرب اننى اجلس الى جانبه واتعامل معه باخوية، فاخبره احد الجيران بان السودانيين بطبعهم شعب متواضع وطيب ..وقد كنت انهمك فى السيارة بمطالعة الاوراق والمستندات وغيرها ..وخلفية السيارة اصبحت عبارة عن مكتب متنقل ..

وحميد يعرف طباعى جيدا ويسوق باحترافية وهدوء ولا يتحدث ابدا ..ولكنى اقرا كل شئ فى وجهه بسهولة ..فان المغاربة رجال ونساء شعب لا يستطيع التمثيل او اخفاء مشاعره حتى “السخونة” منها.. ويعبر عن نفسه كما يشاء له الهوى ..”وطلع لى الدم”،  وايضا هم شعب يعشق ويبدع فى “المأكلة” اى الطعام حتى البسيط منه مثل طاجن البيض بالزيتون فى اى “محلبة” شعبية..

وكعادته فان حميد يبتسم فى وجهى صباحا وهو يساعدنى على الجلوس فى السيارة ..وانا بطبعى لا استطيع اطلاقا التعايش مع انسان “كشر” ..واهرب منه .. وكان اختيارى له يتضمن عوامل عديدة ومنها الهدوء والهمة والنشاط والاحترافية ..والابتسامة.ولكنى لا حظت مع اقتراب عيد الاضحى ان وجه حميد قد اكتساه حزن عميق وشرود على غير عادته ..

وقبل العيد بيومين اصطدم حميد بسيارة امامه وكاد ان يلحقنا الزينين كما تقول حبوبتى .. وجات سليمة ..

وقد استغربت جدا وانا أرى

حميد ينفجر باكيا باعلى صوته ..

فسالته: ما بك يارجل ..وعندما اصريت ان اعرف السبب، افادنى انه لا يملك مالا وقد رفض البنك طلبه سلفية لشراء الحولى وان ذلك امر سوف يحزن اطفاله جدا وانهم يوميا يسالون عن الحولى ..

اصدقكم القول اننى لم استطيع حينها كتم ضحكتي فان حميد لا يصلى ولا يصوم ولا يعلم شئ عن الاسلام رغم محاولاتى وبمحبة ..وكنت عندما اذهب للمسجد للصلاة ينتظرنى خارجه رغم محاولاتى تحفيزه وتشجيعه للصلاة معي ..فان الشعب المغربي كله ودون استثناء عندهم  الضحية اهم شئ فى كل الاسلام ..ويأكلها هو واهل بيته ولا يترك راس او حتى كوارع!

ويخزن اللحم شهور طويلة ويسمونها ( القديد)..بعد تجفيفه ويستعمله لشهور فى الطاجن ومع البيض وغيره ..واللحم المجفف ( القديد) وجبة مفضلة لديهم وكثير من شعوب العالم ..طلبت لحظتها من حميد ان يتجه الى سوبرماركت كارفور ..واتجهنا سويا الى طابق كامل تم تخصيصه لبيع الخراف ..وتوزيعها الى حصائر  حسب النوع ..

وافضلها واغلاها “الصردى” المغربي لذيذ الطعم ..وطلبت من حميد ان يختار لى افضل خروف ولا يهمه السعر وقد كان وتم الوزن واخذه الى السيارة ..وسالنى حميد الى اين نتجه ..فاجبته: الى بيتك

رد : تقصد بيتك سيدى الدكتور

اجبته: بل اقصد بيتك انت يا حميد

ولكن يا دكتور بيتى متواضع وفى السطوح ولا يوجد مصعد

رد بانفعال..ضحكت وقلت له: اذن انت بخيل يا حميد ..نريد ان نذهب بهذا الخروف الى الدرارى ( تعنى عيالك).وبدأ حميد غير مصدقا …وفتح البكاء مرة ثانية !! وسالته وانا ارى خيام فى الشوارع مكتوب عليها: فندق الخراف وامامها يباع الفحم والمناقد والطواجن الفخارية…وفى بعضها مكتوب يوجد واى فاي WiFi

وعلمت منه، انها اماكن تحفظ فيها الخروف حتى لحظة تاتى لتأخذه لذبحه

بمقابل مادى عن اليوم الواحد ..لان الشقق لا تتحمل ..وحتى البيوت الواسعة تفضل ابقاؤه بعيدا خوفا من الاوساخ وهم اكله وشربه.وبالفعل ذهبنا لفندق الخراف وتمت كتابة رقم وطبعه على الخروف وتعليق اخر فى القرون ..وتسجيل العنوان والتفاصيل وتسديد مقدما عدد الايام التى سوف يمكثها وهى full board   او بالاصح fully inclusive

وتشمل المبيت والاكل والشرب ويمكن ايضا ان تشمل الذبح والتقطيع بنظام ويوم عيد الاضحى يفطر المغاربة بيض وزيتون وزيته وعسل وفطير مسمن وحرشة وهى مثل القراصة او البان كيك وغيرها ويذهبون للصلاة ..

ومن ثم يذبحون خرافهم ويعلقونها فى الابواب ويتركونها يوما كاملا ليقطر دمها وتجف  تماما من الدم ومن ثم ياكلون منها مساءا او ثانى يوم ..وعن تجربة، فان جعل اللحمة تجف من الدم تجعل طعمها لذيذا ..وهم قوم يجتهدون فى نظافة الراس والكوارع والبطنية لحفظها وقتا طويلا..

ويأكلون فى يوم العيد الكبدة فقط بعد شويها بالفحم قليلا ..

ومن ثم تقطيعها ولفها داخل بطنية الخروف ( الشحم)..

وادخالها فى اسياخ واعادة الشواء بالفحم ومن ثم اكلها بالشمار/الكمون والخبز ..وبالكاد كل فرد يحصل على قطع قليلة منها ..ولكنى اصريت على ان يتم تقطيع نصيبى من الكبدة نيا وعملت مرارة مدنكلة بالدكوة والشطة والليمون والبصل ..وسطة دهشة الجميع على السودانى الذى يأكل الكبد نيا !! واخبرتهم ان والدتى تقسم الخروف الى ثلاثة …ومن ثم اصريت على تقسيم ضحيتى .. واخبرونى انه لايوجد فقراء ومساكين ..

ولكنى لم اقتنع ..

وكنت قد لاحظت لافتة فى شارع غير بعيد عنى تفيد بانه مكان خلوة لتعليم القران ياتى اليها الطلاب من اماكن بعيدة، ولكن ممنوع ادخال اى شئ لهم بدون ضوابط ونظم واستئذان ..وبالفعل قابلت ادارتهم ووافقت على ان ادخل لهم اللحم بشرط مطبوخا وبمعاينة احد عمالهم واشرافه.

واستغربت عندما وجدت فى الخلوة خليط من الطلاب بعضهم ياتى من اسر فقيرة فى داخل المغرب، وبعضهم من اسر غنية فى الخارج وخصوصا من فرنسا، يرسلوا ابناؤهم لتعلم القران.والغريب ان تلاميذ  تلك الخلوة لا تربطهم ادنى علاقة باهل الحى ولا حتى السلام ..لذلك استغربوا الاختراق السودانى ..وانا من اسرة متعودة على ” الاختراق”

وقد سبق ان قضينا عيد الاضحى فى دمشق ، وقد كنت وقتها من المغضوب عليهم من نظام الترابى وتمت مصادرة جواز سفري ..وقد كنت التقى بالوالدين واخوتى فى دمشق…وقضينا مع بعضنا عيد اضحى لازال منحوتا فى ذاكرتى ..يومها وسط استغراب اهل العمارة التى كنا نستاجر طابقها الارضى مع حديقته، ذبحنا خروفنا والشية والمرارة ..دخاخينها فى السماء، واخذت امى الله يطراها بالخير اكوام من اللحم وطرقت ابواب الشقق تعيد عليهم وتوزع اللحم ..وهى تسألنى بدهشه: انت متأكد يا ولدى ..الناس ديل مسلمين ..لانها لم ترى اى مظاهر للعيد مطلقا!

لقد قضيت عيد الاضحى فى كثير من بلاد العالم ..ولكنها سوف تكون المرة الاولى فى اذربيجان فانتظرونى لاحكى لكم الاحداث…ولعدم وجود التمر ارجو مساعدتى فى كيفية عمل شربوت مدنكل من الفاكهة?

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال