الرئيسية / أخبار / لوحه شيك ميت.. بقلم- منى الروبي

لوحه شيك ميت.. بقلم- منى الروبي

هل يمكن أن يقدم الفنان لوحات فنيه تتجاوز حدود الجمال البصري لتصبح رموزًا للفكر والتأمل الفلسفي؟.

إنّ لوحة (شيك ميت) للفنان الألماني فريدريك مونش هي إحدى هذه الأعمال التي أثارت الجدل وألهمت النقاشات العميقة حول الأمل والمصير، تصور اللوحة مباراة شطرنج بين الإنسان والشيطان، حيث يبدو الإنسان مهزوما بالكامل، وملكُه محاصر في وضعية كش مات، مما يوحي بانعدام أي فرصة للخلاص، ملامح اللاعب البشري تعكس اليأس، بينما ينظر إليه الشيطان بابتسامة المنتصر.

ظلت اللوحة تُفسَّر لسنوات طويلة على أنها تمثيل رمزي للهزيمة الحتمية أمام قوى الشر أو القدر القاسي، ولكن في أحد الأيام أثناء عرضها في متحف اللوفر، وقف أمامها بطل عالمي في الشطرنج وتأملها بعين الخبير فجأة، اكتشف أن الوضع على الرقعة ليس نهائيا كما يبدو؛ لا يزال لدى الإنسان حركة واحدة لم يُنتبه لها، وإذا لعبها بذكاء، فبإمكانه قلب الموازين والفوز بالمباراة، هذا الاكتشاف غيّر منظور اللوحة بالكامل، مما حوّلها من رمز للهزيمة إلى رسالة قوية عن الأمل والمثابرة.

تُعد هذه القصة انعكاسا عميقا للحياة نفسها، حيث نواجه أحيانا مواقف تبدو بلا مخرج، فنعتقد أننا فقدنا كل شيء، لكن الحقيقة هي أن هناك دائمًا فرصة مخفية قد تغير مسار الأحداث، إن ما نراه كهزيمة قد يكون مجرد لحظة سكون تسبق الانتصار. تحمل لوحة (شيك ميت) درسا خالدا: لا تستسلم لمجرد أن الأمور تبدو محسومة ضدك، فغالبا ما يكون الحل أقرب مما تظن، ينتظر فقط من يراه بعين مختلفة.

تنتمي اللوحة إلى المدرسة الرومانسية، التي كانت تُركّز على المشاعر العميقة والرمزية القوية، استخدم فريدريك مونش تقنية التضاد اللوني بين الضوء والظل لإبراز التوتر الدرامي بين الإنسان والشيطان. ومن التفاصيل المهمة في اللوحة وجود ملاك يقف خلف اللاعبين، لكنه ليس واضحا للجميع؛ حيث يبدو كأنه مجرد جزء من الخلفية، هذا الملاك يعكس الأمل الخفي الذي لم يلاحظه اللاعب بعد، تماما كما لم يلحظ فرصته الأخيرة في اللعبة.

فريدريك مونش (1815–1894) كان فنانا ألمانيا متخصصا في التصوير الرمزي والتعبيري، اشتهر بأعماله التي تحمل دلالات فلسفية ودينية، وتُعبّر عن الصراعات الداخلية للإنسان، ومن أبرز أعماله الأخرى (ظل الروح) (1852)، التي تناقش مفهوم الضمير الإنساني، و(المسافر في العاصفة) (1867)، التي تجسد صراع الإنسان مع قوى الطبيعة.

لوحة (شيك ميت) رُسمت عام 1863، في فترة شهدت اهتماما واسعا بالمواضيع الرمزية في الفن الأوروبي، وهناك لوحات أخرى أثارت الجدل من منظور فلسفي مشابه، مثل (الفارس والموت والشيطان) (1513) – ألبريخت دورر، وهي نقشية ترمز إلى رحلة الإنسان في مواجهة الموت والشر، لكنها تترك المجال لتفسير وجود الأمل والإيمان، و (جزيرة الموتى) (1883) – أرنولد بوكلين، التي تعبّر عن العبور بين الحياة والموت، لكنها تحمل إشارات رمزية إلى احتمالية وجود حياة أخرى بعد الموت، من خلال هذه الأعمال، يظهر كيف استخدم الفنانون الفن كوسيلة لطرح أسئلة عميقة حول المصير، الأمل، والاختيارات الخفية التي قد تغير كل شيء.