تقرير البحرين/ الحِد/ تزخر البحرين قديماً وحديثاً بالكثير من الكفاءات المتفردة والمتميزة في العديد من المجالات، والتي لعبت الدور الكبير في الإزدهار الحضاري الذي اشتهرت به البحرين على مدار تاريخها الطويل، وجعلتها كالشامة في الجسد البشري، وقد دأبت الأمم والشعوب والدول المتقدمة على الإحتفاء بأبناءها الذين شكلوا صورتها وساهموا في بناءها وتطويرها ووضعها في المكان اللائق بين الأمم.
ومن بين هؤلاء العِظام الذين ضربت شهرتهم الآفاق الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي..الشاعر والأديب الفذ والسياسي اللامع والوطني الغيور، وخبير (القماش) اللؤلؤ، وصاحب المواهب المتفردة الذي ظلمته الأجيال الصحافية والاعلامية في البحرين، ولم تذكر مساهماته الوطنية والابداعية في المجالات المختلفة التي جعلته علم من أعلام البحرين.
ونحن اليوم بصدد تعريف الأجيال الجديدة بشخصية الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي في إطار التنقيب في تاريخ البحرين المعاصر، واستخراج اللآئي منه وتقديمها في صورة زاهية للقراء، من أجل توثيق سيرته العطرة، وإبداعاته ودوره الوطني والأدبي والثقافي، وعلاقته بالتعليم وبالبحر والتجارة ومداعباته الشعرية ومساجلاته الأدبية التي وثقتها المجالس العفوية في منطقة الحِد قبل أكثر من ثلاث عقود.
هو عبدالله بن خميس بن جمعة الدويس الشامسي الملقب بالشروقي ولد في مدينة الحِد بمملكة البحرين في العام 1328 هجرية، درس لدى المطوع حتى حفظ أجزاء من القرآن الكريم وأجاد الكتابة وختم القرآن الكريم وهو في سن السابعة، ثم التحق بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، ومن بعدها بإحدى المدارس الأهلية في المنامة، وكان من أقرانه الأستاذ أحمد العمران أشهر أساتذة البحرين في القرن الماضي.
وعبدالله بن خميس الشروقي كالكثير من أبناء البحرين في ذلك الزمن عمل بالغوص ثم الطواشة، ونظم العديد من القصائد ثم انقطع عن قول الشعر لأسباب خاصة به، واقتصرت مساهمته في هذا المجال على تصحيح وتدقيق القصائد للمبتدئين في نظم الشعر وتوجيههم، توفي عليه رحمة الله في العام 1968م بالحد.
عمل في البحر وكان طواشاً ماهراً ونوخذة فذ كأجداده وأعمامه، وقد سجل له التاريخ بأنه أول من أكتشف الفرق بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين، اشتهر دون أنداده في الحد بالمعرفة والثقافة العالية في كافة المجالات وفي أدب الغوص والتعليم والشعر مما مكنه بأن يكون شاعراً ماهراً في نظم الشعر النبطي الذي اتسم بالمشاعر الانسانية والاخوية والعاطفية الرفيعة كشفت عن معدن روحه المفعمة بروح الإنتماء للدين والوطن، واعتزازه بأهله وعشيرته، ومن مدينة الحد انطلقت إبداعات عبدالله بن خميس الشروقي وقد لامست شغاف القلوب عبر قصائده المفعمة بالحب والمودة والاعتزاز بالعلاقات الإجتماعية التي ربطته بالكثير من الأصحاب من كل مناطق البحرين وخارجها أيضاً.
ومن خلال الحركة النشطة التي كان يقوم بها في المجتمع لخدمة الناس وتعليم أبنائهم، وروح المعرفة التي انعكست في علاقته بخدمة بلده وأهله أختاره الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة عضواً في مجلس المعارف الذي أعيد تشكيله في 13 يناير 1957م(1) والذي كان يضم كلا من الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيساً، والأعضاء هم الشيخ عطية الله بن عبد الرحمن آل خليفة، والسيد حمد جاسم كانو، والسيد راشد عبد الرحمن الزياني، والسيد صادق محمد البحارنة، والسيد محمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن حمد آل خليفة، والحاج عبد الله بن خميس الشروقي، الأمر الذي يؤكد المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها، والاحترام والتقدير الذي كان يتلقاه من الحاكمين آنذاك.
البيئة التي عاش فيها الشاعر
لا شك بأن الإنسان ابن بيئته، فقد ولد وترعرع عبدالله بن خميس الشروقي في منطقة الحد، وهي المدينة الثانية في جزيرة المحرق، وتعتبر ثالث مدينة في البحرين، كانت دون مناطق البحرين قد اشتهرت بكثرة المثقفين والمتعلمين، كما كان لها الفضل في انتشار التعليم في البلاد، من خلال العدد الهائل من الأساتذة والمعلمين، وكان أبنائها يعملون في التدريس داخل وخارج البحرين في وقت مبكر، وقد كان للحراك الثقافي والمعرفي في الثلاثينينات والأربعينينات بعد انتشار المدارس للأولاد والبنات الدور الكبير في زيادة الحركة الثقافية، وهو الأمر الذي جعل البحرين على خلاف بلاد دول الخليج تتأثر بالثورة المصرية وحركة القوميين العرب أيام الرئيس جمال عبدالناصر، لأن الوعي فيها كان متجذرا في المجتمع منذ وقت طويل بحسب بالآلاف السنين حيث الحضارات القديمة.
ومدينة الحد يحفها البحر من ثلاث جوانب، وتقع جنوب قرية قلالي، وهي تقع شرق المحرف مائلة إلى الجنوب، والحِد في اللغة العربية يطلق على اللسان الممتد من الرمال في البحر، ويطلقه أهل البحر في الخليج على كل شريط رملي يظهر في عرض البحر ويمنع السفن من اجتيازه حتى في ساعات المد، والحد بلغة أهل الخليج العربي هي الأرض التي يغطيها ماء البحر بشكل طفيف عند المد السقي، وينحسر الماء عن هذه الأرض عند الجزر الثبر لتكون جزءاً واضحاً من اليابسة، ويوجد في الخليج العربي أكثر من مئة مُسمَّى بالحد مثل حد الذيب وحد الجمل.
والحد مسقط رأس شاعرنا كان تكثر فيها العيون والآبار والعيون الطبيعية الحلوة، وفي ذلك الوقت كان عدد سكان الحد 12 ألف نسمة، وفيها ثلاث عشر مسجدا، وجامع واحد فقط، وهذا الجامع الوحيد الموجود في منطقة الحد، حيث منزل النوخذة خميس الشروقي، محاذي للمسجد من الناحية الشرقية، والنوخذة سنان الشروقي محاذي المسجد من جهة الغرب، والشمال، أما بيت النوخذة سالم الشروقي أمام المسجد من جهة الغرب الجنوبي، وكذلك يوجد مجلس النوخذة سنان بن جمعة الشروقي، ويسمى مجلس ولد سنان، ولكل نوخذة من آل الشروقي قصص وحكايات تروى حتى يومنا هذا.
بروز شخصيته ودوره في تطوير التعليم في البحرين
ظهرت شخصية الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي بشكل أكثر بروزاً في منتصف الخمسينيات بعطاءه الوطني والأدبي والتعليمي كل ذلك شكّل شخصيته الوطنية، حتى تم اختياره عضواً في هيئة الاتحاد الوطني رقم (63)، (3)ومرة أخرى عُين في بلدية المحرق من قبل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، كما تم تعيينه من قبل الدولة في منطقة الحد لصرف جوازات السفر للمواطنين، والشاهد في بروز هذه الشخصية الوطنية بأنها كانت قريبةً من المواطنين وكان الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي يتلمس همومهم ويقف على طلباتهم وقد خرج من صلب الشعب، وجيها في مدينة الحد يرجع إليه أهل المنطقة لحل المشاكل التي تنشب بين أفراد المجتمع والتوفيق بينهم.
تزوج وأنجب خمسة أبناء جميعهم عملوا في مجال التعليم وقد لعبوا دورا مهما في سلك العمل التعليمي، توفي الشاعر عبدالله بن خميس الشروفي ودفن في مدينة الحد سنة 1968م، بعد حياة حافلة بالعطاء المعرفي والفكري والاجتماعي والاقتصادي(4)، ما زال أهل مدينة الحد وتلامذته في البحرين عامة يتحدثون عن علمه وفكره وكرمه وطيبته وأخلاقه وشعره وسيرته العطرة.
* من اليمين الصف الأول الشيخ عطية آل خليفة، ورئيس شركة بابكو، سمو الشيخ خليفة بن سلمان آ خليفة، صادق تقي البحارنة، الصف الثاني محمد يوسف جلال الدين، الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، عبدالله بن خميس الشروقي، الأستاذ أحمد العمران، والصورة كان بمناسبة زيارة أعضاء مجلس المعارف إلى شركة نفط البحرين (بابكو)
والشاعر عبدالله بن خميس الشروقي أديب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، وقد وصل مرحلة من القدرة المعرفية شأنا كبيرا في كل مجالات المعرفة الواسعة وبشكل خاص في اللغة العربية والثقافة والأدب العربي، وهذا الإلمام الواسع جعله بين قومه كالشامة، بل قل كالعلم يرفرف عاليا، الأمر الذي جعل إدارة التربية والتعليم في البحرين (سابقا) تستعين به في جلب الكتب واختيار المناهج الدراسية المقررة على المدارس مع الهيئة التعليمية، وكان يستشار في كل ما يتعلق بالثقافة والأدب والمعرفة عموماً، ولم تقرر الادارة أي كتاب على طلبة المدارس في عموم البحرين ما لم تطلع عليه الهيئة التعليمية و الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي ويبدي رأيه فيها.
الكثير من سكان الحد من الناس الذين كانوا يعرفون الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي وممن عاصروه يعرفون أنه كان طعم المجالس وزينتها وكان عندما يدخل المجلس تتفتح أسارير الحضور فرحين بقدومه عليه الرحمة والمغفرة، وما أن جلس حتى صمت الجميع بانتظار أن يتحدث عبدالله بن خميس ذلكم لأن كلامه عذب وله طريقة متفردة في الحديث والقاء الشعر يجعل المرء يحلق في سماء الابداع الشعري.
كان الأديب الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي علم من أعلام البحرين، ما من مجلس وإلا تمنى حضوره والجلوس فيه مع صاحب المجلس، وفي هذا المقام كان أصحاب المجالس يحبون تشريف عبدالله بن خميس لمجالسهم والاستمتاع بحديثه وشعره وحكاويه، وكان عندما يدخل عبدالله بن خميس في مجلس ما يتمنى صاحبه أن يخرج الجميع لينفرد به ويسمع منه ما لم يعرفه الأخرون، كان عبدالله بن خميس رجل نادر في عصره، صادق وأمين، وأنيق في كلامه وفي ملبسه، وكان ذا شخصية لها مكانتها ووقعها في المجتمع من الناحية التجارية والأدبية والسياسية والتعليمية والاجتماعية بالدرجة الأولى.
جاسم بن مطر في إحدى جلساته يفتح باب الذكريات فيقول:
عندما كنت أنا وأبي نجلس في مجلس الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين الأسبق مع الناس فإذا برجل طويل القامة يُرحب به سمو الشيخ سلمان بن حمد ويجلسه بجانبه، ثم يتبادلان الحديث والضحك والابتسامات، فسألت أبي وقلته له “من هذا الرجل الذي بجانب سمو الشيخ سلمان؟”، فقال لي “هذا الشاعر المعروف عبدالله بن خميس الشروقي، وكانت هذه العلاقة مع أبيه من قبل النوخذة خميس بن جمعة الشروقي”.
بهذه الصورة كان المجتمع في البحرين ينظر ويتعامل مع عبدالله بن خميس كونه علم وشخصية بارزة كان لها حضورها في الساحة بين علية القوم وكبراءه وزعاماته آنذاك.
وقد عُرف عبدالله بن خميس بالذكاء الذي تشتهر به كل أسرة الشروقي، وهو ما ظهر من خلال العديد منهم والذين تقلدوا و لا زالوا يتقلدون وظائف مرموقة في الكثير من المجالات الطبية والاقتصادية والاكاديمية، والاعلامية وفي الخدمة العامة، كما امتاز الشاعر أيضا بالخبرة والنظرة الثاقبة للأمور كلها.
ولشخصية عبدالله علاقات وصلات واسعة مع الجميع من كبار شيوخ البحرين وإلى أصغر مواطن في الحد، وكانت له علاقته المتميزة بكبار تجار اللؤلؤ في البحرين ودول الخليج، وذات مرة من المرات ون ضمن الذين كان يزورهم التاجر المعروف في سوق الطواويش بالمنامة منصور العريض، حيث كانا يلتقيات في دكانه، ويتبادلات الأحاديث عن السوق وتجارة اللؤلؤ وعن الثقافة والأدب والمجتمع.
وعندما يزور عبدالله بن خميس صديقه منصور بن سالم العريض كان الثاني لرجاله في الدكان “بسرعة وبسرعة لموا اللؤلؤ.. إذا حضر عبدالله بن خميس انتهى كل شئ”..فيجلسوا جميعهم ويتسامروا ويعيشوا أحلى اللحظات، هكذا كان الجميع يفرح بحضور الشاعر عبدالله بن خميس لأنه كان زينة المجالس ونورها عليه رحمة الله تعالى.
ومن الحكايات التي تؤكد مكانته الكبيرة في المجتمع يحكي عيسى الكبيسي في برنامج (عزوتي وناسي) التلفزيوني الذي يقدمه الاستاذ يوسف محمد اسماعيل “أن الوالد عيسى بن مبارك الكبيسي تطرق لسيرة عبدالله بن خميس الشروقي قال :عندما أراد والدي توظيفي في إدارات الدولة لم يستطع لذلك سبيلا، فأخذني الوالد إلى الشاعر عبدالله بن خميس فكتب لي كتاب وقال لي أوصله إلى فلان بن فلان..فذهبت وعندما وصلت الرسالة للشخص المعني تم توظيفي في الحال”، وهذا يدل على تواصل عبدالله بن خميس مع الجميع وجهوده لخدمة أبناء وطنه.
اسهامات عبدالله بن خميس في تطور التعليم بالبحرين
ارتبطت شخصية عبدالله بن خميس الشروقي لدى الكثير من أهل البحرين المثقفين والمتعلمين وغيرهم بتطور التعليم في البحرين، وفي ذلك الزمن كان المثقفون والمؤثرين في الشأن العام معرفون لعامة الناس، وكانت اسهاماتهم كذلك معروفة للجميع، لذلك كانت اسهامات الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي واضحة المعالم أولا باعتباره مُعلما إذ كان يعمل في مهنة التدريس وله حضوره الواسع في هذا المجال، وثانيا شاعرا يطرب له الجميع.
وطيلة عمله بالتعليم كان نموذجا في أداء الواجب وفي التأثير الواضح على الطلبة، وعلى المجتمع إذ كانت البحرين صغيرة جدا، ومحدودة الجوانب وقليلة عدد السكان ومن خلال ابداعه في التدريس والتفاف الطلبة حوله، وزاد على ذلك تميزه في البروز المجتمعي كواحد من أعلام المجتمع يمارس دوره في الرقي بالمنطقة وانسانها، وكان أيضا يبرز من خلال العمل الخيري عبر مساعدته للشباب ولكل من يريد العمل والالتحاق بالخدمة العامة ولمن يريد ان يواصل تعليمه، ولذلك السبب وغيره تم اختياره من قبل صاحب السمو خليفة بن سلمان آل خليفة ضمن مجلس المعارف في تشكيله الجديد بداية العام 1957م، وضم كلا من الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيسا، والشيخ عطية الله بن عبد الرحمن آل خليفة، والسيد حمد جاسم كانو، والحاج عبد الله بن خميس الشروقي، والسيد راشد عبد الرحمن الرياني، والسيد صادق محمد البحارنة، والسيد محمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن حمد آل خليفة أعضاء.
ومجلس المعارف ضم أبرز قادة المجتمع في المجالات المختلفة التجارة والاقتصاد والزعامة الاجتماعية والثقافة والفنون والأدب وكبار التجار، وقد عقد مجلس المعارف أول اجتماع له بتاريخ 14 يناير 1957م برئاسة الشيخ خليفة بن سلمان، وكانت أولى التوصيات التي أصدرها تدعو إلى تولي المجلس إدارة تعليم البنين والبنات، حتى يتسنى الإرتقاء بهما على نفس المستوى وبنفس التوجه، والمهم قوله في هذا الصدد أن دور المجلس كان كبيرا ومهما في وضع برنامج لتطوير العملية التعليمية في البحرين، استنادا على أساس راسخ تمثل فيما حققته البحرين من سبق على المستوى التعليمي، ينبغي تطويره والبناء عليه، ولما كان أعضاء المجلس من الكفاءات الوطنية البارزة كانت ثقة الشيخ خليفة بن سلمان كبيرة في إمكانات وقدرات شباب هذا البلد على التحصيل العلمي والتفوق الدراسي في مختلف فروع المعرفة.
وحتى نبين دور الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي في تطور التعليم في البحرين لا بد من تسليط الضوء قليلا على بعض الانجازات التي قام بها المجلس وقد قام مجلس المعارف بمراجعة نظام السكن المقدم إلى المعلمين الأجانب، وزار القرى والمدن لدراسة المتطلبات اللازمة، ونصح بان يكون التعليم الخاص تحت إشراف دائرة المعارف، لا سيما تلك المدارس التي كانت تضم عددا كبيرا من الطلاب البحرينيين، ودرس المجلس أيضا الحاجة الملحة إلى فتح صفوف جديدة، وركز بتوجهات من سمو الشيخ خليفة، على تحسين تعليم اللغة الإنجليزية، وتحديد أوقات التدريس المعمول بها في جميع المدارس، والمساواة بين خريجي المدرسة الصناعية وخريجي المدرسة الثانوية العامة عند توظيفهم، أما الشيء الذي يستدعي الانتباه، فهو ذلك الاقتراح الجريء الذي سعى المجلس إلى تحقيقه، وهو فتح مدارس للبنات في القرى، حيث ان تعليم البنات كان حتى ذلك الوقت مقتصرا على المدن الأربع الرئيسية في البلاد.
ولم يكن نشاط مجلس المعارف مقتصرا على ميدان التعليم وحده، بل امتد إلى ميادين ثقافية أخرى، مما عكس تفاني رئيسه وأعضائه في خدمة وطنهم، ومثال ذلك معرض الآثار المكتشفة الذي أقامه المجلس بالتعاون مع بعثة التنقيب الدينماركية يوم الأربعاء 27 مارس عام 1957، والذي كان الأول من نوعه في المنطقة، وقد أقيم المعرض في قاعة مكتبة المعارف الكائنة في مبنى دائرة المعارف، وتفضل الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين بافتتاحه.
علاقة الشاعر عبدالله بن خميس باللؤلؤ
ان مجال صناعة ومعرفة اللؤلؤ هذا عالم آخر برع فيه عبدلله بن خميس الشروقي براعةً عجيبة تتحدث به الركبان إلى ما شاء الله تعالى، ومن ضمن القصص التي ُتحكى في هذا الجانب، وهي قصة معروفة لجميع من عمل في هذه التجارة التي اشتهرت بها البحرين دون غيرها من بلاد العالم، فإن الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي كان سببا مباشرا في ازدهار تجارة محمد بن راشد من خلال تجارة اللؤلؤ..
وتقول القصة أن جبر المسلم كان عنده قماشة (قطعة لؤلؤ) موجودة داخل صدفة لؤلؤ وملتصقة بها وكان الناس في ذلك العهد يسمون هذا النوع من اللؤلؤة الملتصقة بـ(المخشر)، وكان جبر المسلم يريد أن يبيعها لكي يتخلص منها فقام بعرضها للكثير من تجار اللؤلؤ، ولم يجد السعر المناسب له، فجاء إلى محمد بن راشد الماجد وسأله عن رأيه في قطعة اللؤلؤ التي كانت بيده.
فقام محمد بن راشد باستلامها ورأها بيده فقال لجبر المسلم بكم تبيعها ليّ..؟.
قال له المسلم عشرة آلاف روبية.
وكان حينها عبدالله بن خميس الشروقي موجودا معهم في مجلس المسلم بالحد..
وعندما رأى جبر المسلم بأن محمد بن راشد لم يعجبه السعر، قال له..طيب اشتريها مني بـ 7 آلاف روبية.
لكن محمد بن راشد قال له:
أعطيك فيها 3 آلاف روبية فقط.
حينها استغرب المسلم من عرض محمد بن راشد ما يعني قبوله بمبلغ الـ 3 آلاف روبية باعتباره ربح البيعة، وتمت الموافقة بين الطرفين واشترى محمد بن راشد الماجد قطعة القماشة، و عبدالله بن خميس الشروقي لم يبدي رأيه في عملية البيع التي تمت بين الطرفين، فتم تسليم المبلغ وتناولوا جميعاً القهوة كما تبادلوا أطراف الحديث في موضوعات شتى، ثم خرج محمد بن راشد وعبدالله بن خميس الشروقي سوياً من مجلس المسلم.
وإذ هما في الطريق سأل عبدالله بن خميس محمد بن راشد فيما سيفعل بهذه (القماشة) التي اشتراها من المسلم..؟؟ فرد عليه “سأكسرها وأتأكد من نوعيتها ومن ثم أبيعها”.
فطلب منه إلا يفعل ذلك..
فوصلا البيت..فقال عبدالله بن خميس للماجد تعال معي…فطلعا سطح البيت، فأحضر عبدالله بن خميس قنينة بلون البني الغامض وبداخلها محلول هايدروكسيد الكالسيوم، وهذه القنينة تفتح وتغلق باحكام، وهذا المحلول يقوم بتفتيت قشرة المحارة (الخشر) ويستخرج القماشة سليمة، بعد فترة من الزمن قام عبدالله بن خميس بوضع قطعة القماشة الصدفية في الماعون مع المحلول وغطاها بحجر مسطح وطلب من محمد راشد الماجد أن يناديه بعد 15 يوماً، وكان الماعون في السطح في مواجهة الشمس الحارة.
وبعد ان انتهت فترة الـ 15 يوم جاء الاثنان فطلعا سطح البيت فأخرجا قطعة اللؤلؤ، وقام عبدالله بن خميس الشروقي بإزالة ما تبقى من الشوائب باستخدام المطرقة والمبرد ثم فركها بإزاره، فكانت لؤلؤة لا مثيل لها براقة وجميلة.
فقال عبدالله بن خميس لمحمد بن راشد “حظك سعيد أن خرجت لك هذه اللؤلؤة”.
وباعها محمد بن راشد الماجد بمبلغ 30 ألف روبية في الأربعينات من القرن الماضي، وكانت سبباً في ازدهار تجارته حتى الآن وأصبح من أغنى تجار البحرين في مجال اللؤلؤ، هذه القصة ذاع صيتها بين الناس في البحرين وخارجها، وتناولها البحارة في أحاديثهم وسفراتهم، كما تناولها تجار اللؤلؤ في محلاتهم وأيام مواسم العودة من رحلات الغوص، ومن زاوية أخرى فإن هذه القصة تحكي عن الجوانب المختلفة في شخصية عبدالله بن خميس الشروقي وعن المواهب المتعددة التي وهبها له المولى سبحانه وتعالى.
الكويت الأول من شهر أبريل 1966م الجمعة أول يوم عيدالأضحى الموافق 1385هـ في منزل يوسف عبدالرحمن المهزع، من اليمين محمد يوسف بوحجي، عبدالله بن خميس الشروقي، السيد أحمد نور الدين، السيد الساده.
خبير في فرز وتثمين اللؤلؤ
من الأشياء الجميلة التي تفرد وتميز بها عبدالله بن خميس من غيره بعلاقته وخبرته في مجال اللؤلؤ وقد سجل له التاريخ أنه أول من اكتشف الفرق ما بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين، وهذه كانت أكثر الجوانب التي جعلت تجار اللؤلؤ في البحرين، ودول الخليج العربي يتعاملون فيها معه، كذلك اشتهر في أسواق اللؤلؤ العالمية بأنه الخبير الذي يتعامل مع الصدفة المجهولة، ويعرف كيف يخرج منها اللؤلؤ دون خسائر، كما حدث في قصة الماجد، ونعني بذلك أنه من ضمن المحار التي يجمعها الغاصة من هيرات اللؤلؤ، تكون هناك محارة ملتصقة داخلها اللؤلؤة وتسمى باللهجة البحرينية (الميهولة) أي المجهولة أو (المخشر) عبدالله بن خميس كان هو من يجعل لها قيمة في السوق تفوق توقعات تجار اللؤلؤ.
وبالنسبة لخبرته وتفرده في مجال اللؤلؤ كان عبدالله بن خميس مرجعا في اللؤلؤ نفسه كسلعة تجارية وقيمة جمالية.
وفي الكويت عندما توفى التاجر الكبير عبدالله العثمان الذي كان قد اشترى كمية من لؤلؤ من إدارة الأيتام في الكويت، فقام مسؤول الادارة آنذاك بإرسال طلب للبحرين مفاده ان الادارة في حاجة لبحريني له القدرة على تثمين اللؤلؤ، وذلك الخبرة في تقييمه وفرزه، فسافر الشاعر عبدالله بن خميس إلى الكويت وقد أنجزت المهمة بنجاح.
وبعد فترة أيضا طلبوا من عبدالله بن خميس أن يساعدهم في يبيع اللؤلؤ بحسبان خبرته في هذا المجال، بالفعل قام عبدالله ببيع كل اللؤلؤ، وقد اشتراه بيت درويش في قطر- عبدالله وجاسم الدرويش”، وآل درويش في قطر كانوا على صلة قوية بعبدالله بن خميس الشروقي، وكان بالنسبة لهم مستشارا تجاريا حيث كان يشتري لهم اللؤلؤ ويبيعه لهم، وكان مصدر ثقة وكانت هذه الأسرة لا تعتمد إلا على عبدالله بن خميس في تجارتها الخاصة باللؤلؤ بيعا وشراء، علما أن البحرين في مجال اللؤلؤ كانت هي الأولى في استخراجه وعرضه في الأسواق العالمية وبيعه وتثمينه، بل ومعرفة بكل أسرار هذه المهنة التي برع فيها أهل البحرين دون غيرهم في دول الخليج العربي.
–
نواصل بإذن الله
خالد ابواحمد من كتاب ( الاديب الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي) المنشور في 2014م