الرئيسية / أخبار / أول من أكتشف ‏الفرق بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين..الأستاذ عبدالله بن خميس ‏‏الشروقي واحد من أعلام وأفذاذ البحرين..

أول من أكتشف ‏الفرق بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين..الأستاذ عبدالله بن خميس ‏‏الشروقي واحد من أعلام وأفذاذ البحرين..

تقرير البحرين/ الحِد/ تزخر البحرين قديماً وحديثاً بالكثير من الكفاءات المتفردة والمتميزة في العديد من المجالات، ‏‏والتي لعبت الدور ‏الكبير في الإزدهار الحضاري الذي اشتهرت به البحرين على مدار تاريخها ‏‏الطويل، وجعلتها كالشامة في الجسد ‏البشري، وقد دأبت الأمم والشعوب والدول المتقدمة على ‏‏الإحتفاء بأبناءها الذين شكلوا صورتها وساهموا في ‏بناءها وتطويرها ووضعها في المكان ‏‏اللائق بين الأمم‎.‎

ومن بين هؤلاء العِظام الذين ضربت شهرتهم الآفاق الأستاذ عبدالله بن خميس ‏‏الشروقي‎..‎الشاعر والأديب الفذ ‏والسياسي اللامع والوطني الغيور، وخبير (القماش) ‎ ‎اللؤلؤ، ‏‏وصاحب المواهب المتفردة الذي ظلمته الأجيال ‏الصحافية والاعلامية في البحرين، ولم تذكر ‏‏مساهماته الوطنية والابداعية في المجالات المختلفة التي جعلته علم من ‏أعلام البحرين‎.‎

ونحن اليوم بصدد تعريف الأجيال الجديدة بشخصية الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي في ‏‏إطار التنقيب في ‏تاريخ البحرين المعاصر، واستخراج اللآئي منه وتقديمها في صورة زاهية ‏‏للقراء، من أجل توثيق سيرته العطرة، ‏وإبداعاته ودوره الوطني والأدبي والثقافي، وعلاقته ‏‏بالتعليم وبالبحر والتجارة ومداعباته الشعرية ومساجلاته الأدبية ‏التي وثقتها المجالس العفوية ‏‏في منطقة الحِد قبل أكثر من ثلاث عقود‎.‎‏

هو عبدالله بن خميس بن جمعة الدويس الشامسي الملقب بالشروقي ولد في مدينة الحِد بمملكة البحرين في العام ‏‏1328 هجرية، درس لدى المطوع حتى حفظ أجزاء من القرآن الكريم وأجاد الكتابة وختم القرآن الكريم وهو في ‏سن السابعة، ثم التحق بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، ومن بعدها بإحدى المدارس الأهلية في المنامة، وكان من ‏أقرانه الأستاذ أحمد العمران أشهر أساتذة البحرين في القرن الماضي.‏

وعبدالله بن خميس الشروقي كالكثير من أبناء البحرين في ذلك الزمن عمل بالغوص ثم الطواشة، ونظم العديد من ‏القصائد ثم انقطع عن قول الشعر لأسباب خاصة به، واقتصرت مساهمته في هذا المجال على تصحيح وتدقيق ‏القصائد للمبتدئين في نظم الشعر وتوجيههم، توفي عليه رحمة الله في العام 1968م بالحد‎.‎

عمل في البحر وكان طواشاً ماهراً ونوخذة فذ كأجداده وأعمامه، وقد سجل له التاريخ بأنه أول من أكتشف ‏الفرق بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين، اشتهر دون أنداده في الحد بالمعرفة والثقافة العالية في كافة ‏المجالات وفي أدب الغوص والتعليم والشعر مما مكنه بأن يكون شاعراً ماهراً في نظم الشعر النبطي الذي اتسم ‏بالمشاعر الانسانية والاخوية والعاطفية الرفيعة كشفت عن معدن روحه المفعمة بروح الإنتماء للدين والوطن، ‏واعتزازه بأهله وعشيرته، ومن مدينة الحد انطلقت إبداعات عبدالله بن خميس الشروقي وقد لامست شغاف ‏القلوب عبر قصائده المفعمة بالحب والمودة والاعتزاز بالعلاقات الإجتماعية التي ربطته بالكثير من الأصحاب من ‏كل مناطق البحرين وخارجها أيضاً‎.‎

ومن خلال الحركة النشطة التي كان يقوم بها في المجتمع لخدمة الناس وتعليم أبنائهم، وروح المعرفة التي انعكست في ‏علاقته بخدمة بلده وأهله أختاره الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة عضواً في مجلس المعارف الذي أعيد تشكيله  ‏في 13 يناير 1957م(1) والذي كان يضم كلا من الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيساً، والأعضاء هم ‏الشيخ عطية الله بن عبد الرحمن آل خليفة، والسيد حمد جاسم كانو، والسيد راشد عبد الرحمن الزياني، والسيد ‏صادق محمد البحارنة، والسيد محمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن حمد آل خليفة، والحاج عبد الله بن خميس ‏الشروقي، الأمر الذي يؤكد المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها، والاحترام والتقدير الذي كان يتلقاه من الحاكمين ‏آنذاك‎.‎

البيئة التي عاش فيها الشاعر

لا شك بأن الإنسان ابن بيئته، فقد ولد وترعرع عبدالله بن خميس الشروقي في منطقة الحد، وهي المدينة الثانية في ‏جزيرة المحرق، وتعتبر ثالث مدينة في البحرين، كانت دون مناطق البحرين قد اشتهرت بكثرة المثقفين والمتعلمين، ‏كما كان لها الفضل في انتشار التعليم في البلاد، من خلال العدد الهائل من الأساتذة والمعلمين، وكان أبنائها ‏يعملون في التدريس داخل وخارج البحرين في وقت مبكر، وقد كان للحراك الثقافي والمعرفي في الثلاثينينات ‏والأربعينينات بعد انتشار المدارس للأولاد والبنات الدور الكبير في زيادة الحركة الثقافية، وهو الأمر الذي جعل ‏البحرين على خلاف بلاد دول الخليج تتأثر بالثورة المصرية وحركة القوميين العرب أيام الرئيس جمال عبدالناصر، ‏لأن الوعي فيها كان متجذرا في المجتمع منذ وقت طويل بحسب بالآلاف السنين حيث الحضارات القديمة.‏

ومدينة الحد يحفها البحر من ثلاث جوانب، وتقع جنوب قرية قلالي، وهي تقع شرق المحرف مائلة إلى ‏الجنوب، والحِد في اللغة العربية يطلق على اللسان الممتد من الرمال في البحر، ويطلقه أهل البحر في الخليج على ‏كل شريط رملي يظهر في عرض البحر ويمنع السفن من اجتيازه حتى في ساعات المد، والحد بلغة أهل الخليج ‏العربي هي الأرض التي يغطيها ماء البحر بشكل طفيف عند المد السقي، وينحسر الماء عن هذه الأرض عند ‏الجزر الثبر لتكون جزءاً واضحاً من اليابسة، ويوجد في الخليج العربي أكثر من مئة مُسمَّى بالحد مثل حد الذيب ‏وحد الجمل.‏

والحد مسقط رأس شاعرنا كان تكثر فيها العيون والآبار والعيون الطبيعية الحلوة، وفي ذلك الوقت كان عدد ‏سكان الحد 12 ألف نسمة، وفيها ثلاث عشر مسجدا، وجامع واحد فقط، وهذا الجامع الوحيد الموجود في ‏منطقة الحد، حيث منزل النوخذة خميس الشروقي، محاذي للمسجد من الناحية الشرقية، والنوخذة سنان الشروقي ‏محاذي المسجد من جهة الغرب، والشمال، أما بيت النوخذة سالم الشروقي أمام المسجد من جهة الغرب الجنوبي، ‏وكذلك يوجد مجلس النوخذة سنان بن جمعة الشروقي، ويسمى مجلس ولد سنان، ولكل نوخذة من آل الشروقي ‏قصص وحكايات تروى حتى يومنا هذا.‏

بروز شخصيته ودوره في تطوير التعليم في البحرين

ظهرت شخصية الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي بشكل أكثر بروزاً في منتصف الخمسينيات بعطاءه الوطني ‏والأدبي والتعليمي كل ذلك شكّل شخصيته الوطنية، حتى تم اختياره عضواً في هيئة الاتحاد الوطني رقم (63)، ‏‏(3)ومرة أخرى عُين في بلدية المحرق من قبل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، كما تم تعيينه من قبل الدولة في ‏منطقة الحد لصرف جوازات السفر للمواطنين، والشاهد في بروز هذه الشخصية الوطنية بأنها كانت قريبةً من ‏المواطنين وكان الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي يتلمس همومهم ويقف على طلباتهم وقد خرج من صلب ‏الشعب، وجيها في مدينة الحد يرجع إليه أهل المنطقة لحل المشاكل التي تنشب بين أفراد المجتمع والتوفيق بينهم‎.‎

تزوج وأنجب خمسة أبناء جميعهم عملوا في مجال التعليم وقد لعبوا دورا مهما في سلك العمل التعليمي، توفي ‏الشاعر عبدالله بن خميس الشروفي ودفن في مدينة الحد سنة 1968م، بعد حياة حافلة بالعطاء المعرفي والفكري ‏والاجتماعي والاقتصادي(4)، ما زال أهل مدينة الحد وتلامذته في البحرين عامة يتحدثون عن علمه وفكره وكرمه ‏وطيبته وأخلاقه وشعره وسيرته العطرة‎.‎

 ‏* من اليمين الصف الأول الشيخ عطية آل خليفة، ورئيس شركة بابكو، سمو الشيخ خليفة بن سلمان آ خليفة، صادق تقي البحارنة، الصف الثاني محمد يوسف جلال الدين، الشيخ خالد بن ‏محمد آل خليفة، عبدالله بن خميس الشروقي، الأستاذ أحمد العمران، والصورة كان بمناسبة زيارة أعضاء مجلس المعارف إلى شركة نفط البحرين (بابكو)‏

والشاعر عبدالله بن خميس الشروقي أديب بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، وقد وصل مرحلة من القدرة ‏المعرفية شأنا كبيرا في كل مجالات المعرفة الواسعة وبشكل خاص في اللغة العربية والثقافة والأدب العربي، وهذا ‏الإلمام الواسع جعله بين قومه كالشامة، بل قل كالعلم يرفرف عاليا، الأمر الذي جعل إدارة التربية والتعليم في ‏البحرين (سابقا) تستعين به في جلب الكتب واختيار المناهج الدراسية المقررة على المدارس مع الهيئة التعليمية، ‏وكان يستشار في كل ما يتعلق بالثقافة والأدب والمعرفة عموماً، ولم تقرر الادارة أي كتاب على طلبة المدارس في ‏عموم البحرين ما لم تطلع عليه الهيئة التعليمية و الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي ويبدي رأيه فيها.‏

الكثير من سكان الحد من الناس الذين كانوا يعرفون الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي وممن عاصروه يعرفون أنه ‏كان طعم المجالس وزينتها وكان عندما يدخل المجلس تتفتح أسارير الحضور فرحين بقدومه عليه الرحمة والمغفرة، وما ‏أن جلس حتى صمت الجميع بانتظار أن يتحدث عبدالله بن خميس ذلكم لأن كلامه عذب وله طريقة متفردة في ‏الحديث والقاء الشعر يجعل المرء يحلق في سماء الابداع الشعري.‏

كان الأديب الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي علم من أعلام البحرين، ما من مجلس وإلا تمنى حضوره والجلوس ‏فيه مع صاحب المجلس، وفي هذا المقام كان أصحاب المجالس يحبون تشريف عبدالله بن خميس لمجالسهم ‏والاستمتاع بحديثه وشعره وحكاويه، وكان عندما يدخل عبدالله بن خميس في مجلس ما يتمنى صاحبه أن يخرج ‏الجميع لينفرد به ويسمع منه ما لم يعرفه الأخرون، كان عبدالله بن خميس رجل نادر في عصره، صادق وأمين، ‏وأنيق في كلامه وفي ملبسه، وكان ذا شخصية لها مكانتها ووقعها في المجتمع من الناحية التجارية والأدبية ‏والسياسية والتعليمية  والاجتماعية بالدرجة الأولى.‏

جاسم بن مطر  في إحدى جلساته يفتح باب الذكريات فيقول:‏

عندما كنت أنا وأبي نجلس في مجلس الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين الأسبق مع الناس فإذا ‏برجل طويل القامة يُرحب به سمو الشيخ سلمان بن حمد ويجلسه بجانبه، ثم يتبادلان الحديث والضحك ‏والابتسامات، فسألت أبي وقلته له “من هذا الرجل الذي بجانب سمو الشيخ سلمان؟”، فقال لي “هذا الشاعر ‏المعروف عبدالله بن خميس الشروقي، وكانت هذه العلاقة مع أبيه من قبل النوخذة خميس بن جمعة الشروقي”.‏

بهذه الصورة كان المجتمع في البحرين ينظر ويتعامل مع عبدالله بن خميس كونه علم وشخصية بارزة كان لها ‏حضورها في الساحة بين علية القوم وكبراءه وزعاماته آنذاك‎.‎

وقد عُرف عبدالله بن خميس بالذكاء الذي تشتهر به كل أسرة الشروقي، وهو ما ظهر من خلال العديد منهم ‏والذين تقلدوا و لا زالوا يتقلدون وظائف مرموقة في الكثير من المجالات الطبية والاقتصادية والاكاديمية، ‏والاعلامية وفي الخدمة العامة، كما امتاز الشاعر أيضا بالخبرة والنظرة الثاقبة للأمور كلها.‏

ولشخصية عبدالله علاقات وصلات واسعة مع الجميع من كبار شيوخ البحرين وإلى أصغر مواطن في الحد، ‏وكانت له علاقته المتميزة بكبار تجار اللؤلؤ في البحرين ودول الخليج، وذات مرة من المرات ون ضمن الذين كان ‏يزورهم التاجر المعروف في سوق الطواويش بالمنامة منصور العريض، حيث كانا يلتقيات في دكانه، ويتبادلات ‏الأحاديث عن السوق وتجارة اللؤلؤ وعن الثقافة والأدب والمجتمع.‏

وعندما يزور عبدالله بن خميس صديقه منصور بن سالم العريض كان الثاني لرجاله في الدكان “بسرعة وبسرعة لموا ‏اللؤلؤ.. إذا حضر عبدالله بن خميس انتهى كل شئ”..فيجلسوا جميعهم ويتسامروا ويعيشوا أحلى اللحظات، ‏هكذا كان الجميع يفرح بحضور الشاعر عبدالله بن خميس لأنه كان زينة المجالس ونورها عليه رحمة الله تعالى.‏

ومن الحكايات التي تؤكد مكانته الكبيرة في المجتمع يحكي عيسى الكبيسي في برنامج (عزوتي وناسي) التلفزيوني ‏الذي يقدمه الاستاذ يوسف محمد اسماعيل “أن الوالد عيسى بن مبارك الكبيسي تطرق لسيرة عبدالله بن خميس ‏الشروقي قال :عندما أراد والدي توظيفي في إدارات الدولة لم يستطع لذلك سبيلا، فأخذني الوالد إلى الشاعر ‏عبدالله بن خميس فكتب لي كتاب وقال لي أوصله إلى فلان بن فلان..فذهبت وعندما وصلت الرسالة للشخص ‏المعني تم توظيفي في الحال”، وهذا يدل على تواصل عبدالله بن خميس مع الجميع وجهوده لخدمة أبناء وطنه.‏

اسهامات عبدالله بن خميس في تطور التعليم بالبحرين

ارتبطت شخصية عبدالله بن خميس الشروقي لدى الكثير من أهل البحرين المثقفين والمتعلمين وغيرهم بتطور التعليم ‏في البحرين، وفي ذلك الزمن كان المثقفون والمؤثرين في الشأن العام معرفون لعامة الناس، وكانت اسهاماتهم كذلك ‏معروفة للجميع، لذلك كانت اسهامات الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي واضحة المعالم أولا باعتباره مُعلما إذ ‏كان يعمل في مهنة التدريس وله حضوره الواسع في هذا المجال، وثانيا شاعرا يطرب له الجميع.‏

وطيلة عمله بالتعليم كان نموذجا في أداء الواجب وفي التأثير الواضح على الطلبة، وعلى المجتمع إذ كانت البحرين ‏صغيرة جدا، ومحدودة الجوانب وقليلة عدد السكان ومن خلال ابداعه في التدريس والتفاف الطلبة حوله، وزاد ‏على ذلك تميزه في البروز المجتمعي كواحد من أعلام المجتمع يمارس دوره في الرقي بالمنطقة وانسانها، وكان أيضا يبرز ‏من خلال العمل الخيري عبر مساعدته للشباب ولكل من يريد العمل والالتحاق بالخدمة العامة ولمن يريد ان ‏يواصل تعليمه، ولذلك السبب وغيره تم اختياره من قبل صاحب السمو خليفة بن سلمان آل خليفة ضمن ‏مجلس المعارف في تشكيله الجديد بداية العام 1957م، وضم كلا من الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيسا، ‏والشيخ عطية الله بن عبد الرحمن آل خليفة، والسيد حمد جاسم كانو، والحاج عبد الله بن خميس الشروقي، ‏والسيد راشد عبد الرحمن الرياني، والسيد صادق محمد البحارنة، والسيد محمد يوسف جلال، والشيخ خالد بن ‏حمد آل خليفة أعضاء.‏

ومجلس المعارف ضم أبرز قادة المجتمع في المجالات المختلفة التجارة والاقتصاد والزعامة الاجتماعية والثقافة والفنون ‏والأدب وكبار التجار، وقد عقد مجلس المعارف أول اجتماع له بتاريخ 14 يناير 1957م برئاسة الشيخ خليفة ‏بن سلمان، وكانت أولى التوصيات التي أصدرها تدعو إلى تولي المجلس إدارة تعليم البنين والبنات، حتى يتسنى ‏الإرتقاء بهما على نفس المستوى وبنفس التوجه، والمهم قوله في هذا الصدد أن دور المجلس كان كبيرا ومهما في ‏وضع برنامج لتطوير العملية التعليمية في البحرين، استنادا على أساس راسخ تمثل فيما حققته البحرين من سبق ‏على المستوى التعليمي، ينبغي تطويره والبناء عليه، ولما كان أعضاء المجلس من الكفاءات الوطنية البارزة كانت ‏ثقة الشيخ خليفة بن سلمان كبيرة في إمكانات وقدرات شباب هذا البلد على التحصيل العلمي والتفوق ‏الدراسي في مختلف فروع المعرفة.‏

وحتى نبين دور الأستاذ عبدالله بن خميس الشروقي في تطور التعليم في البحرين لا بد من تسليط الضوء قليلا على ‏بعض الانجازات التي قام بها المجلس وقد قام مجلس المعارف بمراجعة نظام السكن المقدم إلى المعلمين الأجانب، ‏وزار القرى والمدن لدراسة المتطلبات اللازمة، ونصح بان يكون التعليم الخاص تحت إشراف دائرة المعارف، لا ‏سيما تلك المدارس التي كانت تضم عددا كبيرا من الطلاب البحرينيين، ودرس المجلس أيضا الحاجة الملحة إلى ‏فتح صفوف جديدة، وركز بتوجهات من سمو الشيخ خليفة، على تحسين تعليم اللغة الإنجليزية، وتحديد أوقات ‏التدريس المعمول بها في جميع المدارس، والمساواة بين خريجي المدرسة الصناعية وخريجي المدرسة الثانوية العامة عند ‏توظيفهم، أما الشيء الذي يستدعي الانتباه، فهو ذلك الاقتراح الجريء الذي سعى المجلس إلى تحقيقه، وهو فتح ‏مدارس للبنات في القرى، حيث ان تعليم البنات كان حتى ذلك الوقت مقتصرا على المدن الأربع الرئيسية في ‏البلاد. ‏

ولم يكن نشاط مجلس المعارف مقتصرا على ميدان التعليم وحده، بل امتد إلى ميادين ثقافية أخرى، مما عكس ‏تفاني رئيسه وأعضائه في خدمة وطنهم، ومثال ذلك معرض الآثار المكتشفة الذي أقامه المجلس بالتعاون مع بعثة ‏التنقيب الدينماركية يوم الأربعاء 27 مارس عام 1957، والذي كان الأول من نوعه في المنطقة، وقد أقيم ‏المعرض في قاعة مكتبة المعارف الكائنة في مبنى دائرة المعارف، وتفضل الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم ‏البحرين بافتتاحه.‏

علاقة الشاعر عبدالله بن خميس باللؤلؤ ‏

ان مجال صناعة ومعرفة اللؤلؤ هذا عالم آخر برع فيه عبدلله بن خميس الشروقي براعةً عجيبة تتحدث به الركبان ‏إلى ما شاء الله تعالى، ومن ضمن القصص التي ُتحكى في هذا الجانب، وهي قصة معروفة لجميع من عمل في هذه ‏التجارة التي اشتهرت بها البحرين دون غيرها من بلاد العالم، فإن الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي كان سببا ‏مباشرا في ازدهار تجارة محمد بن راشد من خلال تجارة اللؤلؤ..‏

وتقول القصة أن جبر المسلم كان عنده قماشة (قطعة لؤلؤ) موجودة داخل صدفة لؤلؤ وملتصقة بها وكان الناس ‏في ذلك العهد يسمون هذا النوع من اللؤلؤة الملتصقة بـ(المخشر)، وكان جبر المسلم يريد أن يبيعها لكي يتخلص ‏منها فقام بعرضها للكثير من تجار اللؤلؤ، ولم يجد السعر المناسب له، فجاء إلى محمد بن راشد الماجد وسأله عن ‏رأيه في قطعة اللؤلؤ التي كانت بيده‎.‎

فقام محمد بن راشد باستلامها ورأها بيده فقال لجبر المسلم بكم تبيعها ليّ..؟‏‎.‎

قال له المسلم عشرة آلاف روبية‎.‎

وكان حينها عبدالله بن خميس الشروقي موجودا معهم في مجلس المسلم بالحد‎..‎

وعندما رأى جبر المسلم بأن محمد بن راشد لم يعجبه السعر، قال له..طيب اشتريها مني بـ 7 آلاف روبية.‏

لكن محمد بن راشد قال له‎:‎

أعطيك فيها 3 آلاف روبية فقط‎.‎

حينها استغرب المسلم من عرض محمد بن راشد ما يعني قبوله بمبلغ الـ 3 آلاف روبية باعتباره ربح البيعة، وتمت ‏الموافقة بين الطرفين واشترى محمد بن راشد الماجد قطعة القماشة، و عبدالله بن خميس الشروقي لم يبدي رأيه في ‏عملية البيع التي تمت بين الطرفين، فتم تسليم المبلغ وتناولوا جميعاً القهوة كما تبادلوا أطراف الحديث في ‏موضوعات شتى، ثم خرج محمد بن راشد وعبدالله بن خميس الشروقي سوياً من مجلس المسلم.‏

وإذ هما في الطريق سأل عبدالله بن خميس محمد بن راشد فيما سيفعل بهذه (القماشة) التي اشتراها من المسلم..؟؟ ‏فرد عليه “سأكسرها وأتأكد من نوعيتها ومن ثم أبيعها”.‏

فطلب منه إلا يفعل ذلك‎..‎

فوصلا البيت..فقال عبدالله بن خميس للماجد تعال معي…فطلعا سطح البيت، فأحضر عبدالله بن خميس قنينة ‏بلون البني الغامض وبداخلها محلول هايدروكسيد الكالسيوم، وهذه القنينة تفتح وتغلق باحكام، وهذا المحلول يقوم ‏بتفتيت قشرة المحارة (الخشر) ويستخرج القماشة سليمة، بعد فترة من الزمن قام عبدالله بن خميس بوضع قطعة ‏القماشة الصدفية في الماعون مع المحلول وغطاها بحجر مسطح وطلب من محمد راشد الماجد أن يناديه بعد 15 ‏يوماً، وكان الماعون في السطح في مواجهة الشمس الحارة.‏

وبعد ان انتهت فترة الـ 15 يوم جاء الاثنان فطلعا سطح البيت فأخرجا قطعة اللؤلؤ، وقام عبدالله بن خميس ‏الشروقي بإزالة ما تبقى من الشوائب باستخدام المطرقة والمبرد ثم فركها بإزاره، فكانت لؤلؤة لا مثيل لها براقة ‏وجميلة‎.‎

فقال عبدالله بن خميس لمحمد بن راشد “حظك سعيد أن خرجت لك هذه اللؤلؤة”.‏

وباعها محمد بن راشد الماجد بمبلغ 30 ألف روبية في الأربعينات من القرن الماضي، وكانت سبباً في ازدهار ‏تجارته حتى الآن وأصبح من أغنى تجار البحرين في مجال اللؤلؤ، هذه القصة ذاع صيتها بين الناس في البحرين ‏وخارجها، وتناولها البحارة في أحاديثهم وسفراتهم، كما تناولها تجار اللؤلؤ في محلاتهم وأيام مواسم العودة من ‏رحلات الغوص، ومن زاوية أخرى فإن هذه القصة تحكي عن الجوانب المختلفة في شخصية عبدالله بن خميس ‏الشروقي وعن المواهب المتعددة التي وهبها له المولى سبحانه وتعالى.‏

الكويت الأول من شهر أبريل 1966م الجمعة أول يوم عيدالأضحى الموافق 1385هـ في منزل يوسف عبدالرحمن المهزع، من اليمين محمد يوسف بوحجي، عبدالله ‏بن خميس الشروقي، السيد أحمد نور الدين، السيد الساده.‏

خبير في فرز وتثمين اللؤلؤ

من الأشياء الجميلة التي تفرد وتميز بها عبدالله بن خميس من غيره بعلاقته وخبرته في مجال اللؤلؤ وقد سجل له ‏التاريخ أنه أول من اكتشف الفرق ما بين اللؤلؤ الصناعي والطبيعي في البحرين، وهذه كانت أكثر الجوانب التي ‏جعلت تجار اللؤلؤ في البحرين، ودول الخليج العربي يتعاملون فيها معه، كذلك اشتهر في أسواق اللؤلؤ العالمية بأنه ‏الخبير الذي يتعامل مع الصدفة المجهولة، ويعرف كيف يخرج منها اللؤلؤ دون خسائر، كما حدث في قصة الماجد، ‏ونعني بذلك أنه من ضمن المحار التي يجمعها الغاصة من هيرات اللؤلؤ، تكون هناك محارة ملتصقة داخلها اللؤلؤة ‏وتسمى باللهجة البحرينية (الميهولة) أي المجهولة أو (المخشر) عبدالله بن خميس كان هو من يجعل لها قيمة في ‏السوق تفوق توقعات تجار اللؤلؤ.‏

وبالنسبة لخبرته وتفرده في مجال اللؤلؤ كان عبدالله بن خميس مرجعا في اللؤلؤ نفسه كسلعة تجارية وقيمة جمالية.‏

وفي الكويت عندما توفى التاجر الكبير عبدالله العثمان الذي كان قد اشترى كمية من لؤلؤ من إدارة الأيتام في ‏الكويت، فقام مسؤول الادارة آنذاك بإرسال طلب للبحرين مفاده ان الادارة في حاجة لبحريني له القدرة على ‏تثمين اللؤلؤ، وذلك الخبرة في تقييمه وفرزه، فسافر الشاعر عبدالله بن خميس إلى الكويت وقد أنجزت المهمة ‏بنجاح.‏

وبعد فترة أيضا طلبوا من عبدالله بن خميس أن يساعدهم في يبيع اللؤلؤ بحسبان خبرته في هذا المجال، بالفعل قام ‏عبدالله ببيع كل اللؤلؤ، وقد اشتراه بيت درويش في قطر- عبدالله وجاسم الدرويش”، وآل درويش في قطر كانوا ‏على صلة قوية بعبدالله بن خميس الشروقي، وكان بالنسبة لهم مستشارا تجاريا حيث كان يشتري لهم اللؤلؤ ويبيعه ‏لهم، وكان مصدر ثقة وكانت هذه الأسرة لا تعتمد إلا على عبدالله بن خميس في تجارتها الخاصة باللؤلؤ بيعا ‏وشراء، علما أن البحرين في مجال اللؤلؤ كانت هي الأولى في استخراجه وعرضه في الأسواق العالمية وبيعه وتثمينه، ‏بل ومعرفة بكل أسرار هذه المهنة التي برع فيها أهل البحرين دون غيرهم في دول الخليج العربي.‏

نواصل بإذن الله

خالد ابواحمد من كتاب ( الاديب الشاعر عبدالله بن خميس الشروقي) المنشور في 2014م