تقرير البحرين/المنامة/ لم يكن اختتام قمة الشرق الأوسط للرابطة الدولية للاجتماعات والمؤتمرات في مركز البحرين العالمي للمعارض حدثاً عادياً، بل كان بمثابة رسالة واضحة بأن مملكة البحرين تمضي بخطى ثابتة لتضع نفسها في قلب خارطة صناعة الاجتماعات والمؤتمرات الدولية. القمة، التي استضافتها المنامة للمرة الأولى، جمعت أكثر من مئة خبير ومختص من المنطقة والعالم، وجاءت لتجسد تزاوجاً بين الرؤية الوطنية البحرينية والاحتياجات المتنامية لقطاع يعد اليوم أحد محركات الاقتصاد العالمي.
منذ اللحظة الأولى لافتتاح القمة، بدت الأجواء مختلفة. فالمكان الذي صُمم ليكون منصة للأفكار والابتكار، امتلأ بنقاشات حول مستقبل صناعة الفعاليات، بدءاً من دور الذكاء الاصطناعي في التسويق والتخطيط، وصولاً إلى تمكين المرأة والشباب وتوسيع آفاق الشمولية والاستدامة. في إحدى الجلسات التي حملت عنوان “رؤية البحرين السياحية ومنظور قطاع الاجتماعات الدولية”، تحدثت سارة أحمد بوحجي، الرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض، مؤكدة أن البحرين لم تعد تنظر إلى سياحة المؤتمرات باعتبارها مجرد قطاع خدمي، بل كركيزة للتنويع الاقتصادي، مشيرة إلى الاستثمارات النوعية والمبادرات التي تستهدف إشراك الشباب والنساء في صياغة مستقبل القطاع.
وفي جلسة أخرى حملت عنوان (مستقبل قيادة الوجهة)، أكدت دانة السعد نائب الرئيس التنفيذي للموارد والمشاريع، أن التحدي الأكبر أمام المنطقة هو إيجاد بيئة تستوعب الإبداع والتنوع، وتتبنى حلولاً مستدامة تجعل الوجهات السياحية أكثر قدرة على المنافسة عالمياً. هذه الطروحات، وفق ما أشار عدد من الحضور، عكست جدية البحرين في تقديم نموذج مختلف يجمع بين الطموح الواقعي والانفتاح على تجارب الآخرين.
لكن ما جعل القمة أكثر تأثيراً هو المزج بين الفكر والممارسة. فقد أُتيحت للمشاركين جولة في مركز البحرين العالمي للمعارض، حيث وقفوا على الإمكانات العصرية للمركز، من قاعات متعددة الاستخدام، إلى الحلول الرقمية المتقدمة، والخدمات التي تراعي أعلى معايير الاستدامة. أحد المشاركين، ويدعى بيتر هاريسون، وهو خبير بريطاني في إدارة الفعاليات، قال: “لقد زرت العديد من المراكز حول العالم، لكن ما رأيته في البحرين فاق توقعاتي، فالمكان يجمع بين الحداثة والدفء الإنساني، وهذا نادراً ما تجده في وجهة واحدة.”
ولم تقتصر عوامل النجاح على البنية التحتية، بل امتدت إلى الجوهر الأعمق الذي يميز البحرين. فخلال القمة، كان واضحاً أن الضيافة البحرينية حاضرة في كل التفاصيل، من الاستقبال في مطار البحرين الدولي الذي يقدم خدمات راقية للزوار ورجال الأعمال، إلى الترحيب الشعبي الذي يعكس طبيعة المجتمع البحريني المنفتح على الثقافات. وقد علقت إحدى المشاركات من إسبانيا، وتدعى ماريا غارسيا: “ما يدهشني في البحرين ليس فقط الفنادق الفاخرة أو إطلالاتها البحرية الخلابة، بل هذا التوازن الفريد بين التاريخ والحاضر، من البيوت الأثرية والأسواق الشعبية إلى ناطحات السحاب والفنادق المطلة على الخليج العربي.”
وفي حفل ختام القمة الذي تخلله توزيع جوائز الرابطة الدولية للاجتماعات والمؤتمرات، تم تكريم عدد من رواد الصناعة ممن أسهموا في تطويرها برؤى مبتكرة وتجارب ملهمة. وكان ذلك بمثابة تتويج لمسار ثلاثة أيام من النقاشات الغنية التي أكدت أن صناعة الاجتماعات والمؤتمرات لم تعد مجرد تجمعات مهنية، بل منصات لتبادل القيم والثقافات وتعزيز التعاون بين الشعوب.
وفي هذا السياق أكدت وزيرة السياحة فاطمة بنت جعفر الصيرفي أن نجاح البحرين في استضافة هذا الحدث الدولي يثبت أنها مركز إقليمي واعد، مشيرة إلى أن القمة عكست الرؤية الواضحة للمملكة لتعزيز الابتكار والتعاون والشمولية، وأنها جاءت منسجمة مع استراتيجية السياحة 2022–2026 التي تجعل من سياحة الأعمال أحد الأعمدة الرئيسة للتنمية المستدامة.
هذا النجاح يقترن بمستوى الانجازات التي حققتها البحرين في الارتقاء بالمجال السياحي، وفي هذا السياق نذكر أن صحيفة TTN Worldwide أشارت إلى أن المملكة استقبلت في عام 2023 أكثر من 12.4 مليون زائر، بزيادة تصل إلى 2.4 مليون زائر إضافي مقارنة بعام 2022، وهو ما يعكس تسارع التعافي السياحي في المملكة. وبحسب ما أشارت إليه وكالة كاز إنفورم ومعها اتحاد الغرف العربية، فإن إيرادات القطاع السياحي في البحرين ارتفعت في عام 2024 بنسبة13٪ مقارنة بالعام السابق، كما سجل عدد الزوار ارتفاعًا يناهز 20٪، في مؤشر واضح على قوة الجذب السياحي للمملكة.
ولم تقتصر الطفرة على الأعداد والإيرادات، فقد أوضحت تقارير أخرى – من بينها ما نشرته TTN Worldwide أن ليالي الإقامة ارتفعت بنسبة 16٪ في 2024، بينما شهدت تدفقات الزوار الواردة قفزة بنسبة 19.9٪ مقارنة بالعام السابق، ما يعكس بوضوح أن الزائر لم يعد يكتفي بزيارة قصيرة، بل يقضي وقتًا أطول يستمتع فيه بخدمات المملكة ومعالمها.
كما بيّن موقع Bahrain.bh أن عدد ليالي الإقامة الموصلة بلغ في عام 2024 نحو 19.2 مليون ليلة سياحية، بمعدل إقامة متوسط يصل إلى 2.9 ليلة للشخص الواحد، ومتوسط إنفاق يومي قدره 69.1 دينار بحريني، وهو ما نتج عنه إيرادات سياحية داخلية إجمالية بقيمة 1.9 مليار دينار بحريني، وهو رقم يعكس النمو الحقيقي للقطاع السياحي كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
وفي إطار الرؤية المستقبلية تشير استراتيجية السياحة (2022–2026) إلى أنها تستهدف رفع عدد السياح إلى 14.1 مليون زائر سنويًا بحلول 2026، وزيادة متوسط إنفاق الزائر إلى نحو 74.8 دينار يوميًا، إضافة إلى رفع متوسط الإقامة إلى 3.5 أيام، بما يتماشى مع رؤية البحرين الاقتصادية الرامية إلى تعزيز دور القطاع السياحي كأحد ركائز التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وفي الخلاصة نقول أن ما وراء نجاح هذه القمة لم يكن فقط التنظيم المتقن أو المشاركة الدولية الواسعة، بل القدرة على تقديم البحرين كوجهة متكاملة تجمع بين العراقة والحداثة، وبين الضيافة الأصيلة والإمكانات العصرية. فالمنامة خلال هذه القمة تحولت إلى مساحة التقت فيها التجارب العالمية مع الطموحات المحلية، لتبعث برسالة إلى العالم مفادها أن البحرين ليست مجرد مستضيف للفعاليات، بل شريك حقيقي في صياغة مستقبل صناعة الاجتماعات والمؤتمرات.