من المنامة إلى الفاتيكان وروما، تمتد الدبلوماسية البحرينية برؤية واضحة، تحملها زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتؤكد أن البحرين ليست جسرًا جغرافيًا وحسب، بل جسرًا حضاريًا وروحيًا واقتصاديًا يصل الشرق بالغرب.
هذه الزيارة، التي تلت الزيارة الميمونة التي قام بها جلالة الملك المعظم مؤخرًا إلى إيطاليا، جاءت لتؤكد أن السياسة البحرينية تقوم على الاستمرارية والتكامل؛ استمرارية في تثبيت دعائم الثقة، وتكامل بين الرؤية الوطنية والمكانة الدولية. فإيطاليا بما تمثله من ثقل سياسي وثقافي واقتصادي، شريك لا غنى عنه، والتقارب معها يعكس إدراك البحرين لأهمية الحوار مع القوى المؤثرة في أوروبا والعالم.
في الفاتيكان، كان اللقاء مع قداسة البابا ليو الرابع عشر وأمين سر دولة حاضرة الفاتيكان تجسيدًا للرسالة البحرينية التي عبّر عنها ملتقى البحرين للحوار (الشرق والغرب من أجل التعايش السلمي) عام 2022. ففي تلك اللحظة التاريخية التي جمعت البابا الراحل فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف في المنامة، برزت البحرين كمنبر عالمي للحوار والتعايش. واليوم، يحمل ولي العهد هذه الرسالة إلى الفاتيكان، مؤكدًا أن المملكة تواصل ترسيخ حضورها كمركز إشعاع لقيم التسامح والتعايش.
أما في روما، فقد فتحت اللقاءات مع رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وكبار المسؤولين والقطاع الخاص صفحة جديدة في سجل التعاون الاقتصادي. وهنا تتحدث الأرقام بلغة الثقة: فقد ارتفعت صادرات البحرين إلى إيطاليا خلال العقد الماضي بأكثر من ثلاثة أضعاف، وحافظ حجم التجارة على معدل نمو سنوي تجاوز 10% خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفي عام 2024، بلغت قيمة التجارة غير النفطية بين البلدين نحو 779 مليون دولار أمريكي، لتكون إيطاليا بذلك الشريك الأوروبي الأول للبحرين. أما في النصف الأول من 2025، فقد قفزت الصادرات البحرينية إلى نحو 186 مليون دولار، بزيادة قاربت 42% مقارنة بالعام السابق. خلف هذه الأرقام قصص ثقة متبادلة، وحكايات شراكات تُبنى لبنةً لبنة.
البيان المشترك للزيارة أرسى أرضية صلبة لمستقبل التعاون: شراكة استثمارية تُقدّر بأكثر من مليار يورو، تعاون في الطاقة والتحول البيئي، اتفاقيات في الفضاء والجمارك، وتأكيد على تعزيز الشراكة الدفاعية القائمة بين البلدين على الصعيدين العسكري والصناعي، حيث أعربت إيطاليا عن تقديرها لاستضافة البحرين وحدة من بحريتها ضمن القوات البحرية المشتركة.
تأتي هذه الزيارة في لحظة مفصلية؛ فالبحرين تستعد لتولي رئاسة القمة الخليجية المقبلة، وتتهيأ لدورها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2026–2027. وهو ما يمنح علاقتها مع إيطاليا قيمة مضاعفة، ويجعل البحرين لاعبًا أكثر حضورًا في الساحة الدولية، بشراكة متوازنة تجمع بين صوت الحكمة ومصالح التنمية.
إنها زيارة تؤكد أن البحرين ماضية في مسارها المتوازن: تعزز اقتصادها، وتُحيي رسالتها الإنسانية، وتبني شراكاتها على أسس من الثقة والتفاهم. زيارة تُثبت أن مكانة البحرين تُقاس بعمق رؤيتها وقدرتها على أن تكون منبرًا للحوار، وشريكًا في التنمية، وصوتًا للسلام في عالم مضطرب.
عن صحيفة (الأيام) البحرينية