الرئيسية / أخبار / جوع غزة يصرخ والعالم يكتفي بالمشاهدة

جوع غزة يصرخ والعالم يكتفي بالمشاهدة

في واحدةٍ من أشدّ اللحظات ظلامًا في التاريخ الحديث، يواجه أكثر من مليوني إنسانٍ في قطاع غزة خطر الموت جوعًا، وسط صمتٍ عالميٍّ مذهل، لا طائرات تحمل مساعدات، ولا قرارات دولية تفرض فكّ الحصار، ولا حتى أصواتٌ غاضبةٌ تكسر هذا السكون المرعب.

منذ أشهر، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ومع إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية والدواء، تحوّلت هذه البقعة المحاصرة إلى سجنٍ كبير، لا يوجد فيه ما يسد رمق الأطفال، ولا ما يعين الكبار على البقاء،  حتى المشافي باتت عاجزةً عن استقبال الجوعى، فالموت هنا لا يأتي بالقصف فقط، بل أيضًا بالحرمان.

طفلةٌ تلعق الرمال بحثًا عن طعام، وأبٌ يحمل رضيعه الهزيل ويتوسّل عبوةَ حليبٍ مفقودة؛ مشاهد تقشعر لها الأبدان، لكنها أصبحت يوميات الغزيّين، الذين باتوا يُحاربون الجوع كما يُحاربون الطائرات.

تسعةٌ وسبعون طفلًا على الأقلّ ماتوا بسبب سوء التغذية، حسب تقارير رسميةٍ في القطاع، والمئات مُعرّضون لنفس المصير، في ظلّ غياب الأفق لإنقاذهم.
هذا ليس مجرد تقاعسٍ دولي، بل شراكةٌ في الصمت والمراقبة.

على بوابات غزة، تقف الشاحنات المُحمَّلة بالأغذية في العريش، كأنها جزءٌ من ديكورٍ عبثيٍّ لمعركةٍ لا أخلاق فيها، بينما المسؤولون يتبادلون البيانات الفارغة، والإعلام العالميّ يتعامل مع الخبر كحدثٍ هامشيٍّ لا يستحق العاجل.

هل تستحق غزة الموت جوعًا؟، هل الأطفال الذين لا يعرفون السياسة ولا الحرب، يجب أن يدفعوا الثمن كاملًا؟.

أين الضمير الإنساني؟ أين من يتحدثون عن حقوق الإنسان؟، أين أولئك الذين أقاموا الدنيا لأجل قضايا أقلّ قسوة؟، لماذا هذا الصمت؟

ورغم كلّ شيء، لم تنكسر غزة، أهلها يُقاومون بالجوع، يُقاومون بالصبر، يُقاومون بالكلمة وبالأمل، لعلّ هناك من يفيق من سباته، ويكسر حاجز الخذلان، قبل أن يتحوّل كلّ شيء إلى موتٍ نهائيٍّ بلا عودة.

إنّ ما يحدث في قطاع غزة ليس مجرد أزمة، بل اختبارٌ حقيقيٌّ لضمير الإنسانية جمعاء، أمام هذا الألم الذي يتفجّر يومًا بعد يوم، لا يليق بالصمت أن يكون موقفًا، ولا بالحياد أن يكون خيارًا.

لذلك، نوجّه نداءً عاجلًا إلى كلّ الشعوب الحرة، إلى كلّ من يحمل في قلبه ذرّة إنصافٍ ورحمةٍ: ارفعوا أصواتكم تضامنًا، طالبوا حكوماتكم بالتحرّك، ساهموا بما تستطيعون لنقل الصورة وكسر الحصار، التضامن ليس رفاهية، بل ضرورةٌ وجوديةٌ عندما يصبح الجوع هو اللغة الوحيدة التي يتحدث بها الأطفال في غزة.

شاركونا هذا النداء، وأعيدوا للإنسانية وجهها الحقيقي.

خالد ابواحمد