إلا أن الحوادث المرورية ما هي إلا قمة جبل الجليد التي نراها رأي العين، بينما يغطس في أسفل السطح الجزء الأكبر من المشكلة التي تحتاج إلى جهود مضنية ومستمرة لا تتراخى، من أجل نقلها من الواقع إلى الوضع الذي يرجوه الجميع.
فالمعروف في علم النفس، أنه كلما قلت المساحة المحيطة بالفرد، كلما كان أكثر توترًا وعصبية، وهذا ما ينتجه الازدحام المروري، والذي يبرر للبعض (والبعض هنا ليسوا قلة) مخالفة قواعد السير، وقطع الإشارات الحمراء في تقاطعات معروفة تمامًا، خصوصًا في العاصمة (تقاطع بنك الخليج الدولي، والمرفأ المالي، وبناية مواقف السيارات…)، من دون وجود من يدوّن المخالفات، وصرامة استدعائهم لتنفيذ العقوبة، وكذلك انتشار ظاهرة “فتح” سائقين مسارات إضافية للاتجاه يسارًا (مثلًا) مخالفة للقانون فقط لاعتقادهم أنهم “أفضل” من غيرهم ولا يليق بهم الانتظار حتى يصل دورهم عند الإشارة، والقيادة مساء من دون إضاءة الأنوار الأمامية أو الخلفية.
سواء كانت معطلة، أو كسلًا من السائقين، وعدم استخدام الإشارات للانحراف يمينًا أو يسارًا، إذ يعتبرها البعض رفاهية ولا قيمة لها، والتنمّر الذي يمارسه سائقون ضد الآخرين – خصوصًا في المسار الأيسر – إذ يضغطون عليهم بالاقتراب منهم من الخلف بمسافة قد لا تزيد عن المتر الواحد.
ولنا في شارع الشيخ خليفة نماذج يومية لابد أن كاميرات الشارع تصورها، فتربك السائق بالأمام وقد تودي إلى أن يرتكب حادثًا وهو يحاول الإفلات من هذا الضغط، ناهيك عن “أم المصائب”، أي استخدام النقال باليد أثناء القيادة، وأختم بالاعتداء على الشوارع – خصوصًا الضيقة منها – بالوقوف لشراء شيء من البقالة حتى لا ينزل السائق، ويطلب ممن هم وراءه تجاوزه بالدخول إلى المسار المعاكس ريثما يستلم هو زجاجة ماء.
كل هذه النماذج من المظاهر التي أصبحت هي السائد اليوم، وصار الغريب هو من يستغربها ويستنكرها، فالأسوأ من المخالفة، هو التعايش معها على أنها جزء من اليوميات؛ كل ذلك – وأكثر – بحاجة إلى معالجة، إلى صرامة من دون قسوة، لإعادة “الذوق” الذي تردّى، حتى تعود للبحرين سمعتها في السواقة التي فقدتها عبر السنوات.
*كاتب بحريني
عن صحيفة (البلاد) البحرينية