قانون معاداة السامية، كما يعرف اليوم في أوروبا والولايات المتحدة، نشأ بعد ما عرف بـ “الهولوكوست”، التي ارتكبها النازيون، وكان الهدف منه حماية المجتمعات اليهودية من الكراهية والتمييز والاضطهاد، وهي خطوة حملت بعدًا أخلاقيًّا واضحًا، وتحولًا تاريخيًّا في فهم معنى الكراهية المنظمة. لكن السؤال الأخلاقي الأكبر ليس في نشأة هذا القانون، بل في كيفية استخدامه لاحقًا كسيف مسلط على رقاب منتقدي الاحتلال وممارساته العنصرية، وعلى كل من يتجرأ على وصف ما يحدث في فلسطين بأنه حرب إبادة أو استعمار أو تطهير عرقي، بحيث تحول القانون إلى حصن لإسرائيل خلف مظلة الضحية.
مقابل كل مادة في قانون معاداة السامية، هناك مئات الانتهاكات في غزة، ومئات آلاف الضحايا الذين يتساءلون؛ أين القانون الذي يحمي الإنسانية ذاتها؟
منذ ما يقرب من ثمانية عقود، والشعب الفلسطيني يطارد من جغرافيا لجغرافيا؛ يحاصر ويجوع ويهجر ويقصف، وتهدم منازله فوق رؤوس أطفاله، وتتواصل المأساة في غزة اليوم؛ تتكرر المجازر على الهواء مباشرة، نساء يحفرن بأظافرهن تحت الأنقاض، أطفال يشربون مياها ملوثة، مستشفيات تقصف، أفران تدمر، والمجاعة تنهش مئات الآلاف، فيما المجتمع الدولي يغط في سباته العميق فيما يشبه التواطؤ.. أليست هذه معاداة صريحة للإنسانية؟.
ما الذي يمنع العالم من سن قانون يجرم معاداة الإنسانية بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون؟ ما الذي يؤخر صدور تشريع دولي واضح يجرم كل من شارك أو مول أو سهل أو سكت عن الإبادة الجماعية المستمرة منذ ما يزيد عن سبعين عامًا؟ أليست دماء أطفال غزة جديرة بالحماية القانونية؟
أليس صمت الحكومات والمنظمات والضمائر صورة موازية للكراهية؟
شخصيًّا لا أرفض وجود قانون يحمي الأقليات من الكراهية، ولكنني أرفض وبشدة أن يتحول هذا القانون إلى غطاء لدول ومنظمات إرهابية ولمجرمي حرب لارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية، وأطالب كل العالم ومنظماته الدولية أن تعمل على قانون يجرم معاداة الإنسان، حيثما كان، وأولهم الإنسان الفلسطيني.
ولأن الإنسانية لا تجزأ، ولأن الألم لا دين له، ولأن القتل لا يبرره التاريخ ولا يغطيه الذنب القديم، أطالب بإقرار قانون عالمي اسمه “قانون معاداة الإنسانية”، قانون يدين وبصوت عال كل مجرم أباد، وكل سياسي صمت، وكل دولة مولت، وكل إعلامي زور، وكل منظومة سكتت.
فمن لا يدين القاتل فهو شريك في الجريمة.
—————————————
عن صحيفة (البلاد) البحرينية
الاستاذ موسى عساف كاتب ومحلل سياسي