كوسيلة للتخفي، بل كأداة للتعبير والرمز والانتماء. بدأ استخدام الأقنعة في الكهوف، حيث تشير الرسوم التي تعود إلى أكثر من 20 ألف عام في كهوف (ترو كاد) في فرنسا إلى استخدام الإنسان الأول لأقنعة حيوانية خلال الصيد، ليتقمص روح الفريسة ويصبح جزءًا من دورة الطبيعة، في إفريقيا وخاصة في غربها، تطورت الأقنعة إلى رمز روحي في قبائل مثل (الدوغون) و(اليوروبا)، واستخدمت في طقوس الانتقال والتطهير والخصوبة، مصنوعة من الخشب والريش والألوان الطبيعية، لتجسيد الأرواح أو الأسلاف، أما في آسيا، فقد عرفت الأقنعة طابعا طقسيا ومسرحيا، كما في اليابان، حيث يعود مسرح (نوه) إلى القرن الرابع عشر، وتُستخدم فيه أقنعة مصقولة من الخشب تعبر عن مشاعر معقدة لشخصيات الأساطير والآلهة.
في العصور الوسطى ارتدت الجيوش الأوروبية أقنعة معدنية كجزء من الخوذات، لتوفير الحماية وبث الرعب في قلوب الأعداء، كما كانت الأقنعة جزءا من طقوس الفروسية والعروض القتالية، في المقابل استخدم البلاط الأوروبي في القرنين السادس عشر، والسابع عشر أقنعة بأشكال فنية لحضور حفلات المسكاريد التنكرية، كأداة للعب الأدوار الاجتماعية وتبادل الهوية والسلطة، في إيطاليا ازدهرت الكوميديا ديلارتي في القرن السادس عشر، واعتمدت على أقنعة ثابتة تعكس نماذج اجتماعية مثل (أرليكينو) و(بولتشينلا)، وشكلت أساس المسرح الأوروبي الكلاسيكي.
للدين أيضا نصيبٌ من فن القناع، فقد استخدم في طقوس (الأزتك) و(المايا)، وكذلك في احتفالات الكرنفال المسيحي، حيث يصبح القناع فاصلا بين الروح والجسد، والمقدس والدنيوي، أما في العالم العربي فقد ارتبط القناع بالزرياب، موسيقي بلاط قرطبة في القرن التاسع، الذي وظّف الأقنعة ضمن عروض فنية تشمل الموسيقى والشعر والغناء، لخلق مشهد متكامل يلامس الخيال.
في العصر الحديث تحوّل القناع من أداة طقسية إلى رمز ثقافي ومقاوم، كما في شخصية (زورو) التي ظهرت عام 1919 بقناعها الأسود الشهير دفاعا عن الفقراء، وروبين هود الذي سكن الأساطير الإنجليزية منذ القرن الثالث عشر، متخفيا في الغابة لينتصر للعدالة، في الفنون التشكيلية رسم بيكاسو قناعًا إفريقيًا في لوحته (Les Demoiselles d’Avignon)عام 1907، ممهدا لولادة الفن الحديث، كما لا تزال المسرحيات المعاصرة، مثل مسرح القناع الصامت الفرنسي بقيادة مارسيل مارسو، تستخدم القناع كتعبير أسمى عن النفس البشرية، ليبقى هذا الفن شاهدًا على تَحوّلات الإنسان، من كهف الصيد إلى خشبة المسرح.