نسج عنكبوت خيوطه على مدخل كهفٍ مظلم في ضواحي مدينة (نولا) الإيطالية، لينقذ كاهناً مؤمناً مطارداً. كان القديس فيلكس النولاني يلهث في أعماق الكهف بعدما فرّ من الجنود الذين أرسلهم الإمبراطور الروماني (ديسيوس) سنة 250م، في زمنٍ اشتد فيه اضطهاد المسيحيين. لم يكن معه سلاح، ولا باب يغلق الكهف، بل كان أمامه جدار من الصخر وفتحة مكشوفة تنذر بالقبض عليه. لكن بينما كان يصلي في صمت، ظهر ذلك المخلوق الصغير، وبدأ ينسج خيطاً يتبعه آخر، حتى تحوّلت الفتحة إلى ستار كثيف من نسيج أبيض. وعندما وصل الجنود، أمعنوا النظر في الخيوط البكر، فظنوا أنه لا يمكن لأحد أن يكون قد دخل، إذ لو فعل لتمزقت الشبكة فابتعدوا تاركينه، وقد أدرك أن الله استخدم ضعف العنكبوت قوةً لحمايته.
لم تكن تلك الحادثة أول معجزة في حياة فيلكس، فقد عُرف في (نولا) بخدمته للفقراء وتعاليمه البسيطة، وعندما اعتقل في إحدى المرات وسُجن، تقول سير الشهداء إن ملاكاً جاء إليه ليلاً وفك قيوده، ثم قاده خارج الجدران ليواصل رسالته، لذلك ظل فيلكس رمزاً للمقاومة الروحية في وجه الإمبراطورية، وللنجاة التي تصنعها العناية الإلهية في أحلك الظروف. الكهف الذي احتمى به ما زال قائماً حتى اليوم في ضواحي نولا، يزوره المؤمنون كتذكار حي لمعجزة العنكبوت، شاهداً على أن المكان الذي كان مظلماً صار منارة إيمان.
هذه القصة التي حدثت في القرن الثالث الميلادي انتقلت عبر الزمن حتى ألهمت الفنانين، وفي القرن السابع عشر، جسّدها الإسباني خوان دي فالديس ليل في لوحته الشهيرة (معجزة القديس فيلكس والعنكبوت)، نحو عام 1650. في هذه اللوحة، يظهر فيلكس راكعاً داخل الكهف، وملامحه غارقة في نور داخلي يفيض بالسكينة، بينما تتلألأ خيوط العنكبوت البيضاء عند المدخل كأنها شعاع سماوي يغلق الطريق. خلف الشبكة يقف الجنود بوجوه مترددة، يحدقون في الفراغ قبل أن يديروا ظهورهم وينصرفوا. لقد أبدع الفنان في رسم التناقض بين قسوة الدروع العسكرية ورهافة الخيط الرفيع، ليجعل من العنكبوت رمزاً للصبر، ومن الكهف رمزاً للملجأ الإلهي.
وهكذا امتزج التاريخ بالإيمان، والفن بالمعجزة، ليبقى فيلكس والعنكبوت شاهدين خالدين على أن النجاة قد تأتي من حيث لا نحتسب.