الرئيسية / أخبار / بعد فوزها بجائرة أفضل (إعلام رقمي)..(البلاد) ليس مجرد صحيفة بل محرّك مبتكر للتنمية..بقلم خالد أبو أحمد

بعد فوزها بجائرة أفضل (إعلام رقمي)..(البلاد) ليس مجرد صحيفة بل محرّك مبتكر للتنمية..بقلم خالد أبو أحمد

عندما قدمتُ إلى المملكة في بداية الألفية الثالثة، وكانت البحرين تعيش العُرس الديمقراطي المتمثل في التصويت على ميثاق العمل الوطني، كانت الصحافة البحرينية تتمثل في صحيفتين باللغة العربية: (الأيام) و(أخبار الخليج)، كل واحدة كانت مدرسة في حد ذاتها، لها نهجها الصحفي المتميز، وصحيفتين باللغة الإنجليزية (GDN) و(Daily Tribune)، وبعد الانتخابات العامة الأولى في العهد الإصلاحي (أكتوبر 2002)، صدرت بعد ذلك بالتوالي عدد من الصحف، ولسبب أو لآخر توقفت عن الصدور، أصلاً البيئة الصحفية والإعلانية لا تحتمل غير أربع صحف كما هي الآن.

وفي يوم جميل لا أنساه، باعتباري مراقبًا وراصدًا للتطور في البحرين والمنطقة الخليجية، صدرت صحيفة (البلاد) الغرّاء. مثلها مثل كل صحيفة، مرت بمراحل عديدة وتنكبت الطريق، لكنها سرعان ما نهضت، لا كمجرد نافذة للأخبار، بل كمنارة تُضيء زوايا الحياة العامة، وتوثّق تحولات المجتمع البحريني بأساليب جديدة ومبتكرة لا تخضع لتقليدية الخبر، بل تتجاوزها نحو صناعة الوعي.

كانت البدايات مسكونة بالشغف والتحفّز، لكن خلف تلك الصفحات البيضاء، كان هناك رُبّانٌ ينسج هوية مختلفة، ويجعل من الحبر سردًا وطنيًا الأستاذ عبد النبي الشعلة، رجل الاقتصاد والثقافة، لم يرَ في الصحيفة مجرد مشروع إعلامي؛ بل رآها امتدادًا للمسؤولية الوطنية، ومنصةً تُلهم وتوجّه.

تحت قيادته، انطلقت الصحيفة في درب مختلف، لا تلهث خلف الحدث، بل تصيغ مفرداته بلغة يفهمها الجميع، وبتوازن نادر بين الحرية والمهنية. جاء الزميل الأستاذ مؤنس المردي إلى رئاسة التحرير، الذي تربّى في كنف العمل الصحفي، بل تشرب ثقافته وأدبياته، ونشأ بين هدير ماكنات الطباعة ورائحة الورق، ومن والده، طيّب الذكر الأستاذ المربي محمود المردي، عرف من وقتٍ مبكر أخلاقيات الصحافة واحترام وتقدير روح زمالة المهنة. بهذه الخبرة والموروث الصحفي، استفادت (البلاد) من هذا العمق، وتحت إشرافه، تحوّل النص الصحفي إلى خطاب متزن يُصغي للشارع ويُحاور المؤسسات.

في الكواليس، يعمل الأخ الأستاذ راشد الغائب كمهندسٍ يومي لصوت الصحيفة. تنسيقه للمحتوى ليس عملًا إداريًا فحسب، بل هو عزفٌ خفيّ يجعل المضمون ينساب بانسجام، كأنك تقرأ لصحيفةٍ واحدة، رغم اختلاف الكتّاب والزوايا.

ويأتي إلى المشهد أسامة الماجد، الأديب بن الأديب، حاملًا رقة الكلمة وثراء الصورة. لا يكتب عن الأحداث، بل يكتب ما خلفها. نصوصه ليست مقالات، بل تأملات شعرية تستدرج القارئ للتفكير والدهشة. الماجد الذي نشأ أيضًا في بيئة الأدب والثقافة، وترجمة المشاعر إلى صناعة، جعل لصحيفة (البلاد) هوية ثقافية وأدبية تختلف عن كل الصحف.

وسط الحروف والتحليلات والحقائق، تظهر لمسات طارق البحار، الفنان الذي جعل من الصفحة مساحة تواصل بصري لا تقل عمقًا عن المحتوى التحريري. في أعماله، لا تكتفي الرسوم بأن تكون توضيحية، بل تحمل موقفًا، وتنقل رسالة، وتضفي على النص امتدادًا بصريًا يحاكي التأمل والذكاء الفني.

بحر الإبداع الذي يبحر فيه طارق لا يعترف بالسطحية؛ فكل خط يرسمه يحمل تأويلًا، وكل ظلال تعبّر عن طبقة ضمنية في الخبر أو المقال. وهكذا، لم يعد الفن في الصحيفة هامشيًا أو تزيينيًا، بل صار أداة صحفية موازية، تُسهم في صناعة الرأي، وتستوقف القارئ بفكر لا يُكتب، بل يُرسم.

كل ذلك لا يكتمل دون فرق التحرير، والتقنية، والإدارة، والفريق الاقتصادي المتمرس. صحافيون ينحتون الخبر من مشاهد الميدان، لا يكتفون بالظاهر، بل يغوصون بحثًا عن سياق ومعنى. وفريق تقني يُطوّع المنصات الرقمية، ليتجاوز الشكل، نحو تجربة معرفية ذكية، تفاعلية. أما الإدارة، فهي السند المؤسسي الذي يجعل هذا الطموح قابلًا للاستمرار، مرتبطًا برؤية البحرين 2030، من خلال مبادرات تنموية كـ أقوى 50 شركة بحرينية وغيرها.

هذه المبادرات أكدت أن التفكير خارج الصندوق هو سر النجاح في كل الأوقات. فما عادت الإعلانات تُستقطب بواسطة قسم التسويق، بل بالابتكار والتفكير خارج المعهود. وقد استطاعت هذه المبادرات أن تُحرّك المياه الساكنة في الاقتصاد البحريني من خلال التنافس الشريف الذي يُسهم في الارتقاء الفعلي بالبحرين.

وفي زمن التحول الرقمي، لم تكتفِ (البلاد)  بالحضور، بل تألقت. فوزها بجائزة البحرين للمحتوى الرقمي مرتين متتاليتين كان بمثابة إعلان بأن الصحيفة لم تكن تركض خلف المستقبل، بل تصنعه. صحيفة (البلاد) اليوم ليست مجرد أرشيف أخبار، ولا صحيفة تتداولها الأفهام فقط، بل ذاكرة وطنية حيّة، تنبض بالحقيقة، وتحتفي بالهوية، وتبني جسرًا بين الإعلام والمجتمع، وبين البحرين والعالم.

ومن هنا، أتقدّم بالتهنئة الخالصة والتبريكات لمجلس إدارة الصحيفة وكافة الزملاء الصحفيين بفوز الصحيفة بجائزة أفضل إعلام رقمي. وبطبيعة الحال، هو فوز مستحق، مع تمنياتي بدوام التوفيق والسداد.