الرئيسية / أخبار / على خلفية ختام المرحلة الرابعة.. (دمتي خضراء) مسار استراتيجي لمستقبل أخضر شامل ينسجم مع ‏أهداف التنمية المستدامة في البحرين

على خلفية ختام المرحلة الرابعة.. (دمتي خضراء) مسار استراتيجي لمستقبل أخضر شامل ينسجم مع ‏أهداف التنمية المستدامة في البحرين

تقرير البحرين/المنامة/ في ظل التحديات البيئية المتنامية التي يشهدها العالم، تبرز مملكة البحرين كنموذج مضيء في الانخراط الجاد والمسؤول مع قضايا الاستدامة ومواجهة التغير المناخي، هذا الانخراط لم يأت فقط من السياسات الرسمية، بل من خلال مبادرات مجتمعية ومؤسسية تنبع من رؤية وطنية واعية، وتُترجم إلى مشاريع ميدانية ملموسة، واحدة من أبرز هذه المبادرات هي الحملة الوطنية للتشجير (دمتِ خضراء)، التي أطلقتها المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، ومن خلالها أسست مسارا استراتيجيا نحو مستقبل أخضر شامل ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة في المملكة، وهو ما يعني انها أكبر من مجرد حملة وطنية بيئية.

كما هو معروف أن المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي تأسست برؤية تهدف إلى تعزيز دور الزراعة في الأمن الغذائي، وتحسين البيئة الحضرية، وتنمية القطاع الزراعي من خلال بناء الشراكات ودعم الجهود الوطنية في التشجير والتجميل الحضري، وقد استطاعت أن تجعل من الشجرة عنصرًا حيويًا في المعادلة البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ومنذ انطلاق حملة (دمتِ خضراء)، تحوّلت المبادرة إلى حركة بيئية وطنية تُسهم في تحسين جودة الحياة ومكافحة التصحر، وتشكيل مشهد بيئي جديد قائم على التوازن بين التنمية والتحضر.

وقد أعلنت المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي في الثامن والعشرين من يوليو ٢٠٢٥ عن اختتام المرحلة الرابعة من حملة “دمتِ خضراء”، التي أسفرت عن زراعة ٦٥٨٩ شجرة وشجيرة موزعة على ٢٤ موقعًا في مختلف محافظات المملكة، غطّت مساحة إجمالية بلغت ١١٧٥٧ مترًا مربعًا وامتدت بطول ٤٧٩٣ مترًا. وقد شملت هذه المرحلة ١٥ موقعًا تحت إشراف وزارة شؤون البلديات والزراعة، إلى جانب ٩ مواقع أخرى تعود لمؤسسات رسمية، بدعم مالي تجاوز ١٠٩ آلاف دينار بحريني قدّمته مؤسسات وطنية وشركات خاصة، في تجسيد واضح لمستوى الشراكة المجتمعية والوعي البيئي الوطني المتنامي. ومن المؤكد أن هذا العدد الكبير من الأشجار، وما يحمله من تنوع بيولوجي ووظائف بيئية، سيُحدث خلال السنوات والعقود القادمة تحوّلًا ملموسًا في المشهد الطبيعي والحضري للبحرين، مؤسسًا لبيئة أكثر توازنًا وجمالًا واستدامة.

من العلامات المميزة في هذا المشروع الأخضر ان اختيار أنواع الأشجار لم يكن عشوائيًا، بل جاء وفق رؤية علمية ومناخية، حيث جرى التركيز على أنواع محلية ومتكيفة مع البيئة البحرينية مثل السنط العربي، الكازورينا، الأكاسيا، النيم، القرم، البونسيانا، وهبسكس تيلياسوس، وهي أنواع تُسهم في تثبيت التربة، وتقليل درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، فضلًا عن دورها في تعزيز التنوع البيولوجي ومقاومة التصحر، هذه التفاصيل تدل على أن المشروع لا يقتصر على الزينة أو الرمزية البيئية، بل هو تدخل فعلي ومباشر في صميم التوازن المناخي المحلي.

اللافت في الحملة هو اتساع نطاق أثرها ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث شارك في تنفيذ المرحلة الرابعة ثمانية مقاولين بحرينيين، مما أسهم في توفير فرص عمل محلية وتمكين الكفاءات الوطنية، ما يؤكد أن الاستدامة البيئية تسير جنبًا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية، وأن التشجير يمكن أن يتحول إلى نشاط منتج اقتصاديًا لا يقل أهمية عن أي قطاع حيوي آخر.

كما عملت المبادرة على ضمان استمرارية العطاء من خلال خطط مدروسة لصيانة المزروعات، بالتعاون مع مؤسسة كاف الإنسانية، حيث تم تشكيل فرق تطوعية في كل محافظة، مهمتها متابعة المزروعات والإشراف على نمو الأشجار ورعايتها، وهو ما يكرس ثقافة المسؤولية المجتمعية في رعاية المساحات الخضراء، ويحول الحملة من جهد موسمي إلى ممارسة مستدامة في وعي المواطن البحريني.

وفي تصريحها بهذه المناسبة أعربت الشيخة مرام بنت عيسى آل خليفة الأمين العام للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، عن فخرها بما تحقق من إنجازات، مؤكدة أن الحملة لا تقتصر على البعد البيئي فحسب، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التنمية المستدامة بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية، هذا التصريح لا يُعد مجرد إشادة رمزية، بل يحمل في طياته قراءة استراتيجية لطبيعة الدور الذي باتت تلعبه البيئة في السياسات الوطنية. فحين يُطرح المشروع البيئي كجزء من منظومة التنمية الشاملة، فإننا لا نتحدث فقط عن التشجير كممارسة خضراء، بل عن الاقتصاد الأخضر كخيار تنموي، وعن العدالة البيئية كرافعة اجتماعية، وعن المشاركة المجتمعية كأداة لإعادة تشكيل علاقة المواطن بمحيطه الحيوي. بهذا المعنى، يمكن اعتبار التصريح تعبيرًا عن وعي مؤسسي ناضج، يرى في المساحات الخضراء بُنى تحتية لرفاه الإنسان، لا مجرد تجميل عمراني. وهو بذلك يختصر روح المبادرة في قدرتها على نقل الشجرة من موقع الزينة إلى موقع القيمة، ومن هامش الحملة إلى مركز الاستراتيجية.

ومع إعلان انتهاء هذه المرحلة، كشفت المبادرة عن نيتها إطلاق المرحلة الخامسة من الحملة في أكتوبر المقبل، والتي ستشمل مشاريع نوعية جديدة، ما يعزز استمرار الزخم الأخضر في المملكة، ويؤكد على التزام البحرين بتوسيع المساحات الخضراء كأولوية وطنية في مواجهة التغيرات المناخية.

إن ما تقوم به المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي من خلال حملة (دمتِ خضراء) ليس مجرد إنجاز في أرقام وأمتار مزروعة، بل هو استثمار في الوعي البيئي، وتحفيز للمجتمع على المشاركة في بناء بيئة صحية ومستدامة. لقد استطاعت البحرين أن تجعل من مشروع التشجير قصة نجاح حقيقية تستحق التقدير، وأن تقدم نموذجًا عربيًا يُحتذى به في كيفية تحويل التحديات المناخية إلى فرص للتنمية والنهضة البيئية الشاملة.