شهدت العاصمة الكويتية، مطلع الشهر الجاري، الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي واليابان، بحضور وزراء خارجية المجلس ونظيرهم الياباني تاكيشي إيوايا، وذلك ضمن جهود دول المجلس لتعزيز علاقاتها مع الدول والتكتلات التجارية الكبرى في آسيا والعالم. مما يثير التساؤل حول دوافع التوجه الخليجي والمكاسب المتوقعة من إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع طوكيو؟.
إن جهود التوقيع على اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، تأتي في سياق تطور نوعي لعلاقات الخليجية – اليابانية، ضمن خطة العمل للحوار الاستراتيجي المشترك 2024 – 2028، والتي تشمل مجالات حيوية مثل: الطاقة التقليدية والمتجددة، والابتكار التكنولوجي، وحماية البيئة، والتعليم، والصحة، والأمن السيبراني، والتجارة والاستثمار.
وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي بعد الاجتماع، إنه تم حض الجانب الياباني على الإسراع في إتمام جميع الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة الحرة المشتركة بين الخليج واليابان. وفي هذا الإطار بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون واليابان نحو 114.4 مليار دولار أميركي في 2024، ويبحث الجانبان عن تطوير الروابط الاقتصادية والتجارية عبر إطلاق شراكات نوعية في ميادين مستقبلية تشمل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة، والصناعات التحويلية، والسياحة وتعزيز الأمن الغذائي.
وإذا كان التبادل التجاري الياباني مع السعودية والإمارات هو الأكبر، فإن التعاون مع مملكة البحرين قد يعتبر الأقدم، حيث يتمتع الجانبان بعلاقات قوية منذ عام 1934، والذي شهد إرسال شحنة النفط البحرينية الأولى إلى اليابان عقب اكتشاف النفط في البحرين عام 1932. وفي 2 مايو 1972 تمت إقامة علاقات دبلوماسية بين اليابان والبحرين، وشهدت العلاقات والتبادل التجاري تطورًا كبيرًا، في ظل حرص العائلتين الحاكمتين في كلا البلدين، وما يجمعهما من احترام متبادل، على تعزيز وتطوير هذه العلاقات.
وقد انطلقت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، بين الخليج واليابان، بالتوقيع على البيان المشترك في 16 يوليو 2023، بمدينة جدة، والتوقيع على الشروط المرجعية 19 أغسطس 2024، بمدينة طوكيو، تلاهما جولتان تفاوضيتان آخرها في العاصمة طوكيو خلال الفترة 30 يونيو وحتى 5 يوليو 2025. ويسعى الجانبان من خلال هذه الاتفاقية إلى إزالة العوائق الجمركية والإجرائية، وتسهيل التجارة والاستثمار، ومعالجة قضايا الصحة، والملكية الفكرية.
ومن الواضح أن كلا الطرفين يقفان عند مفترق طرق ويعيدان النظر في أدوارهما العالمية والإقليمية، من خلال تنويع وبناء روابط أقوى مع القوى الآسيوية والتكتلات الاقتصادية العالمية، لكن التوصل إلى هكذا اتفاقية تنقل الطرفين من المكاسب الاقتصادية المحدودة إلى مكاسب استراتيجية أوسع ربما يستغرق سنوات طويلة، خصوصاً إذا علمنا أن التوصّل إلى اتفاقية للتجارة الحرّة بين مجلس التعاون الخليجي وكوريا الجنوبية استغرق 15 عاماً.
ويحض الخليج العربي على إبرام الاتفاقية مع طوكيو، على إعتبار أنها تعطي فرصة للجانبين لتجاوز الطبيعة التبادلية لعلاقاتهما التاريخية – في ظلّ تحدّيات مثل: عدم اليقين في النظام العالمي القائم، وضمان أمن الطاقة والملاحة البحرية – نحو شراكة تعزز المصالح المُشتركة والتعاون المستقبلي، وتطلق العنان للإمكانات الكاملة لعلاقتهما.
وبرأيي: لن تخدم الشراكة الإستراتيجية بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي مصالحهما فحسب، بل ستوفّر أيضاً نموذجاً للتعاون في عالم متغير أصبح مواجهته الفاعلة، تتم عن طريق تنويع التحالفات وتحقيق المصالح المشتركة والاستفادة من التكنولوجيا المتقدّمة لتحقيق النمو الاقتصادي.
وبكلمة أخيرة: يجب على الطرفين العمل بفعالية، والبناء على حقائق العالم المتغير، لتحقيق شراكة ربما يتردّد صدى نجاحها في آسيا والعالم، لتكون نموذجاً جديداً للشراكات الدولية.
صحفي وكاتب مصري