الرئيسية / أخبار / الفقيد يوسف محمد ..الإعلامي الذي لم يكن موظفا بل كان مبدعا ومؤرخا-بقلم خالد ابواحمد

الفقيد يوسف محمد ..الإعلامي الذي لم يكن موظفا بل كان مبدعا ومؤرخا-بقلم خالد ابواحمد

يوما بعد آخر تتجد فينا الأحزان ونزداد شعورا بالألم الشديد برحيل من نحب ونهوى، من الذين لهم أثر كبير في أنفسنا، وتجاوزت العلاقة بهم حدود العمل الرسمي إلى الفضاء الواسع والرحب من المحبة والتقدير التي يُعبر عنها الاشتياق والفقد عن الاحتياج، و في إبداء الرأي والمشورة في انجاز عمل نشترك في ارتباطنا وحبنا له، ومن هنا فإن رحيل أخي العزيز الدكتور يوسف محمد اسماعيل أثر كبير في نفسي، وقد ربطتني به في الأول الرغبة في اصدار الكتب التوثيقية، وقد استشرته في أكثر من كتاب أصدرته، وفي موضوعات بعينها تسد ثغرة التوثيق في البحرين، وأتذكر بداياتي في تأليف كتاب (الرباط الوثيق) الذي وثق للعلاقات البحرينية السعودية (2017)، قدم لي الكثير من النصائح المهمة في اختيار عناوين الكتب وأفضل السبل في عملية نشرها وتوزيعها، وقد تعود أن يرفع معنوياتي بعد كل كتاب أصدره، وهو الذي يوقع على إجازة المطبوعات بصفته رئيس الادارة المعنية بوزارة الإعلام.

إن التعامل مع الفقيد العزيز في هذا مجال فتح لنا الأفق في التعامل مع بعض لتنفيذ مشروعات توثيقية كثيرة، وقبل التحاقه بالدراسة بالكلية الملكية للقيادة والاركان والدفاع الوطني (3) ونيل الماجستير في الدراسات الاستراتيجية والادارية، كنت قد طرحت عليه مشروع توثيقي كبير لرجالات البحرين ونسائها الماجدات من الذين بنوا البحرين في سار المجالات التي أسهمت في تطور البحرين وازدهارها، وذلك من خلال اللقاءات التي أجريت معهم، والمتوفرة حاليا في أرشيف الإذاعة والتلفزيون والصُحف لتحويلها إلى كُتب توثيقية، وعبّرت عن استعدادي الأكيد للتفرغ لهذا المشروع بكل ما أملك من امكانيات، كعادته أشعرني السعادة وقال انه في الوقت الحالي مشغول جدا لكن حالما ينتهي من انشغالاته سنجلس ونقرر في البحث في المشروع والطريقة والآليات.

إن علاقتي بالفقيد أبدا لم تكن جلها في مجال العمل الإعلامي وإصدار الكتب، فالجانب الانساني فيها كان كبيرا، وقبل أشهر قليلة عندما توفى والدي عليه رحمة الله، كان الفقيد العزيز أول الواصلين إلى النادي السوداني لتقديم واجب العزاء مما خفف عني كثيرا من مشاعر الحزن، وأدخل فيني شعورا بالراحة النفسية، لحظتها قلت في نفسي فعلا والله ” رب أخ لك لم تلده أمك”، فهناك الكثير من المواقف الانسانية التي يمكن ان تقال في حقه، رجل قد أتاه الله قدرة عجيبة في اسعاد الناس أولا بالابتسامة التي لا تفارق محياه الجميل، وثانيا استعداده الدائم لخدمة الناس، وهذه لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

إن الفقيد العزيز د. يوسف محمد اسماعيل بكل المقاييس فاق أنداده في التميز والتفرد بالكثير من الخصال العملية، وكان دأبه منذ أن عرفته في بداية مشواره الإعلامي مجتهد ومثابر ويسعى دائما للتميز في خدمة وطنه، واجتهد كثيرا في العمل الإعلامي غير التقليدي فلم يكن موظفا بوزارة الاعلام بل كان مبدعا ومؤلفا وموثقا ومؤرخا للشخصية البحرينية الفذة، وللتراث البحريني الأصيل، وكان حضورا فاعلا في كل الملمات الوطنية والثقافية والأدبية بفكره ووعيه ووطنيته وروحه الحلوة، وما تواجد في مكان إلا وتم الاحتفاء به من الصغار والكبار بالسلام والأحاديث الودية.

إن رحيل يوسف عن حياتنا مؤلم للحد البعيد، فهو ليس ككل الناس الذين عرفتهم في حياتي، فهو قصة مختلفة تماما عن كل ما يحكى عن قصص أشخاص متميزين، الفقيد وضع بصمة لا تمحى أبدا في تاريخ هذا البلد وهذه الأرض الخليجية برمتها، الفقيد يوسف تجاوز سنوات عمره بالكثير، فهو أكبر كثير من عمره الحقيقي بما أحدثه من حراك وما حققه من انجازات وطنية وثقافية وأدبية وتوثيقية هنا مكمن الألم لأن البحرين في حاجة لمن يوثق نجاحاتها، ويؤرخ لأعلامها الأفاضل، ولمن يحكي عن تراثها وتاريخها وأصالتها وحضاراتها الموغلة في القدم.

رحم الله العزيز يوسف وتغمده الله بالرحمة والمغفرة وأسكنه فسيح الجنان مع الصديقين والشهداء، وصبّر والده العزيز الزميل المكلوم محمد اسماعيل، والأسرة جمعاء، وكل محبيه وعارفي فضله، إنا لله وإنا إليه راجعون.