يعد انتقال الاهتمام بالفن من جيل إلى جيل ضرورة حتمية طبيعية لضمان استمرار تطور الفنون والثقافة. إذا اقتصر الفن على جيل قديم واحد فقط نفس الاسماء نقس الاداء ، فإن التطور الطبيعي للفنون سيتوقف، ما يؤدي إلى ركود إبداعي يمنع تجديد الأفكار والابتكار. إن الاعتماد المفرط على جيل قديم من الفنانين، سواء الكتاب، والشعراء مخرجين اة حتى ممثلين و مطربين يعني غياب التطوير اللازم الذي يقدمه الفنانون الشبان، وهو ما يعوق تقدم المجتمعات الثقافية.
من غير المنطقي أن يحتكر جيل واحد الإدارة الثقافية والفنية، نفس الاسماء تكرم ونفس الاشخاص تحصل على دروع انجاز و خاصة حين نجد أفراداً ممن تجاوزوا السبعين لا يزالون يديرون مهرجانات فنية ومؤسسات ثقافية، في حين يبقى الجيل الجديد خارج دوائر التأثير. الأجيال المؤسسة، التي كانت حجر الأساس للفنون والثقافة، يجب أن تُكرَّم وتُقدَّر. ولكن يجب أن يكون هناك تناقل للشعلة بين الأجيال، ليتمكن الفنانون والمبدعون الجدد من صقل مواهبهم واكتساب الخبرات. فالموهبة، إلى جانب التجارب العملية، يجب أن تكون أساس الانتقال وليس مجرد البقاء في الساحة لفترة طويلة دون منافسة.
لنأخذ على سبيل المثال تطور الفن التشكيلي. يمكننا ذكر الفنان محمود مختار، من الجيل الأول للفن المصري الحديث، الذي أحدث نقلة نوعية في فن النحت في أوائل القرن العشرين. بعده جاء صلاح طاهر، الذي أدخل أبعاداً جديدة في الرسم المصري في منتصف القرن العشرين. وفي جيل أحدث، نجد الفنانة هدى لطفي، التي تمثل تطورًا أكثر حداثة في الفن المصري المعاصر. هذا التنوع في الأجيال يبرز أهمية التجديد والإضافة المستمرة للفن.
وبالنسبة للشعر، يمكننا أن ننظر إلى الشاعر أحمد شوقي، أمير الشعراء، الذي مثّل جيله في بدايات القرن العشرين. بعده، جاء صلاح جاهين، الذي أدخل مفاهيم جديدة ولغة شعبية قريبة من الناس في شعره. ثم نرى أسماء مثل تميم البرغوثي، الذي يمثل الجيل الحالي ويقدم نصوصًا تجمع بين التراث والحداثة.
إن التطور الإنساني الطبيعي يتطلب ظهور أسماء جديدة في الساحة الثقافية كل عشرة أعوام تقريبًا، وذلك لضمان استمرار التجديد والحفاظ على حيوية الفنون. إذا ظل الفنانون والشعراء في الساحة لمدة أربعة أو خمسة عقود دون منافسة أو تغيير، فإنهم سيعرقلون تطور الفنون، ويحدون من إتاحة الفرص للأجيال الجديدة لإبراز مواهبهم. لذلك، يجب أن يكون الانتقال المستمر للفن والثقافة بين الأجيال قاعدة ثابتة لضمان استمرارية الابتكار والإبداع.