الرئيسية / أخبار / هيلما والاتصال الروحي..بقلم منى الروبي

هيلما والاتصال الروحي..بقلم منى الروبي

في أواخر القرن التاسع عشر، في بلدة صغيرة تُدعى ستوكهولم، ولدت فتاة تُدعى (هيلما أف كلينت)، لم تكن كباقي الفتيات منذ صغرها، كانت تهتم بالطبيعة، ترسم الزهور بدقة، وتشعر بأن هناك ما هو أبعد من العين المجردة، درست الفن بشكل أكاديمي في الأكاديمية الملكية للفنون في السويد، وتفوقت في الرسم الواقعي، لكن قلبها كان ينجذب نحو شيء آخر، شيء لا يمكن شرحه بالكلمات.

بحلول عام 1906، وبينما كانت أوروبا لا تزال تتأمل جمال الواقعية والانطباعية، كانت هيلما ترسم لوحات لا تشبه شيئًا عرفه الفن آنذاك. أشكال هندسية، خطوط لولبية، ألوان متداخلة، ورسائل رمزية غامضة. لم تكن تعتبر هذه اللوحات من وحي خيالها فحسب، بل كانت تقول إنها تتلقى إرشادات من “كائنات عليا”، تطلق عليهم اسم “الخمسة”، عبر جلسات تأمل واتصال روحي، كانت هذه الكائنات تطلب منها أن ترسم ما لا يُرى، وأن تُترجم عالم الأرواح إلى ألوان وأشكال.

رسمت مئات اللوحات التي تُعد اليوم من أولى لوحات الفن التجريدي في العالم، قبل كاندينسكي بسنوات. ومع ذلك، لم تُعرض هذه الأعمال في حياتها، بل أخفتها عن العيون، وقالت جملة ظلت ترددها حتى وفاتها عام 1944: “العالم ليس جاهزا لفني بعد.”

وفي المقابل، جاء فاسيلي كاندينسكي، الروسي المولود في موسكو عام 1866، الذي انتقل إلى ألمانيا ودرس القانون قبل أن يتجه إلى الفن متأخرا. في عام 1910، أعلن أنه رسم أول لوحة تجريدية في التاريخ، واعتمد الغرب هذا التاريخ، متجاهلا ما فعلته هيلما قبله بأربع سنوات، كاندينسكي كان فيلسوفا في نظرته للفن، وكتب نظريات عن الروحانية في الرسم، وربط الألوان بالمشاعر، فصار رمزا للفن الحديث، بينما بقي اسم هيلما في الظل.

لكن السنوات لم تترك الحقائق مدفونة. بعد أن تم الكشف عن أعمال هيلما في أواخر القرن العشرين، بدأ العالم يكتشف عبقريتها، وأقيمت لها معارض ضخمة في نيويورك، لندن، وبرلين، حيث ذُهل الزوار من حداثة أعمالها رغم قدمها، بدأت كُتب التاريخ تُعيد النظر، وتُدرج اسمها كمؤسسة للفن التجريدي.

قصة هيلما ليست فقط قصة فنانة، بل حكاية امرأة آمنت أن الإبداع قد يأتي من مكان لا نراه، وأن الفن الحقيقي أحيانا يولد قبل أوانه، ينتظر بصبر أن تلحق به البشرية.

 

 

halima
Kandinsky