تقرير البحرين/الخرطوم / أطلق المفكر السوداني الدكتور حيدر إبراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية، مبادرة فكرية وطنية بعنوان “الميثاق القومي للسلام والتنمية”، دعا من خلالها إلى عقد مؤتمر قومي شامل يضع رؤية استراتيجية لبناء السودان بعد الحرب وتحقيق نهضته المنشودة، مستندًا إلى التاريخ والتجارب الإنسانية في النهوض من الأزمات.
وقال الدكتور حيدر إن المجتمع المدني ونشطاء التحول الديمقراطي والمجتمعي في السودان يعيشون حالة ركود وبيات شتوي مطلق، حتى كادت الأزمة السودانية أن تصبح “الأزمة المنسية”. وأضاف أن العديد من الورش والفعاليات أُقيمت خلال السنوات الماضية، لكن لم تُعرف مخرجاتها ولم تُتابع نتائجها، حتى على مستوى النشر، رغم أن النشر من أهم أدوات المجتمع المدني في ترسيخ الوعي. وأكد أن هذه الورش تحوّلت إلى نشاط استهلاكي للوقت والمال، لما تتطلبه من نفقات السفر والاستضافة دون أثر حقيقي في أرض الواقع.
وأوضح أن المجتمع المدني السوداني لم يحقق الأهداف التي نشأ من أجلها، والمتمثلة في تعميق الفكر الديمقراطي ونشره بين الجماهير وتكوين تنظيمات فاعلة تسهم في التغيير. ومع ذلك – يقول المفكر السوداني – فإنّ بوادر اهتمام جديدة بدأت تظهر بالأزمة قبل أن تُنسى، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وانتشار المجاعة والأمراض.
وعبّر الدكتور حيدر عن يقينه بقدرة السودان على إنجاز عصر نهضة حقيقي، مستندًا إلى ما يملكه من قدرات مادية وبشرية كامنة منذ الاستقلال عام 1956، إضافة إلى الكفاءات السودانية التي أثبتت جدارتها في المنظمات الدولية والإقليمية، وأسهمت في تطوير عدد من الدول العربية الحديثة.
وأشار إلى أنه استلهم هذا الإيمان من نظرية فيلسوف التاريخ أرنولد توينبي حول “قانون التحدي والاستجابة”، الذي يرى أن الحضارات تولد من رحم الأزمات، موضحًا أن الحروب والكوارث يمكن أن تخلق في الشعوب وعيًا جديدًا يدفعها نحو السلام والبناء والتعمير. واستشهد بتجارب كوريا الجنوبية، وفيتنام، ورواندا، والصين التي خرجت من حروب مدمرة إلى نهضات كبرى، مؤكداً أن السودان يستطيع أن يفعل الشيء نفسه.
وقال المفكر السوداني: “أحلم بأن أرى السودان بعد هذه الأزمة والحرب الماحقة ينهض ويحلق في فضاء التقدم والإنتاج مثل طائر الفينيق الذي ينهض من الدمار والرماد محلقاً من جديد.”
وأضاف متسائلاً: “كيف ستكون استجابة السودانيين لتحدي هذه الحرب الأهلية اللعينة؟ هل ستكون حافزًا لإنتاج عصر نهضة سوداني حقيقي يقوم على السلام والتنمية والتنوير والإبداع؟ أم سيستمر تكرار الفشل والخيبة الذي لازم النخبة السودانية منذ الاستقلال؟”
وانتقد الدكتور حيدر ما وصفه بـ عجز النخبة السودانية (نخبة الأفندية) عن الارتقاء لمستوى المسؤولية الوطنية، مشيرًا إلى أنها لم تعرف التضحية ونكران الذات، وانشغلت بالمناصب والمكانة الاجتماعية عقب كل ثورة شعبية. كما انتقد تحول مفاهيم المجتمع المدني إلى وسيلة للعيش والتكسب، قائلاً إن التمويل الأجنبي أضعف روح التطوع التي كانت سائدة، وجعل الساحة المدنية ساحة تنافس غير شريف على التمويل دون نتائج حقيقية في أرض الواقع.
واعتبر أن هذه الدعوة تمثل صيحة لإيقاظ النخبة لتجعل من استجابتها لتحديات الحرب الراهنة نقطة انطلاق نحو عصر نهضة سوداني جديد، يقوم على العمل الجماعي ونكران الذات وإعلاء مصلحة الوطن على المكاسب الشخصية.
وختم المفكر السوداني بدعوة إلى مؤتمر قومي شامل يضع أسس ميثاق قومي للسلام والتنمية، ويرسم آليات قومية للنهضة تحت شعار “نحو عصر نهضة سوداني”، مؤكدًا أن مركز الدراسات السودانية مستعد لتبني الفكرة في حال وجد الإجماع الوطني حولها، داعيًا المجتمع المدني والنشطاء للمساهمة الفكرية في تطوير هذا المقترح والمضيّ قدمًا نحو مستقبل أفضل للسودان.
يذكر أن الدكتور حيدر إبراهيم علي مفكر وكاتب وعالم اجتماع سوداني تخصص في علم الاجتماع الديني وأفرد جزءاً كبيراً من مشروعه الفكري لنقد الإسلام السياسي. اشتغل كذلك على فكرة التنوير والتحرير. ولد في 11/5/1943 بالقرير. في عام 1992 اسس دكتور حيدر إبراهيم على مركز الدراسات السودانية بالقاهرة. كتب دكتور حيدر إبراهيم على العديد من الكتب و المقالات و منعت السلطات السودانية معظم مقالاته الناقدة لهم كما منعت بعض من كتبه من التداول في السودان كان ما ابرزها: أزمنة الريح و القلق والحرية، سيرة ذاتية، سقوط المشروع الحضاري، أزمة الإسلام السياسي، الجبهة القومية في السودان نموذجاً، الامنوقراطية وتجدد الإستبداد في السودان، كتاب مراجعات الإسلاميين السودانيين كسب السلطة وخسارة الدين…