الرئيسية / أخبار / الذين هبطوا من السماء..بقلم منى الروبي
منى الروبي

الذين هبطوا من السماء..بقلم منى الروبي

هل تساءلت يومًا لماذا كانت الملائكة تُرسم منذ أكثر من سبعة آلاف عام ضخمة وبأجنحة؟ ولماذا كان الريش رمزًا متكررًا في كل الحضارات تقريبًا حين تحدثت عن الهبوط من السماء؟ إن الرسومات البابلية، وكهوف الجزائر، ونقوش المكسيك، وجدران المعابد المصرية، كلها تشترك في لغة بصرية واحدة: كائنات سماوية أو غريبة، تمثل هبوطًا أو حضورًا من عوالم عليا.

في بابل، تظهر الألواح الطينية التي تعود إلى نحو 1800–1750 ق.م، والمعروضة اليوم في المتحف البريطاني، صورة (ملكة الليل) أو (Burney Relief). إنها إلهة مجنحة، قدماها مخالب نسر، محاطة بأسدين وبومين، وقد فسّرها باحثون كرمز لإلهة مرتبطة بالسماء والعالم السفلي، بينما رأى آخرون فيها تصويرًا للأنوناكيز، الكائنات التي قالت الأساطير إنها جاءت من الفضاء لتمنح البشر أسرار الزراعة والكتابة. ما يلفت النظر هنا هو وضوح الأجنحة، والارتباط بالهبوط، وكأن القدماء أرادوا أن يوثقوا مشهدًا قادمًا من عالم غير أرضي.

وفي مصر القديمة، نجد الإلهة (إيزيس) مجنحة، ذراعاها ممدودتان للحماية، وهي صورة محفوظة في متاحف كبرى مثل المتروبوليتان بنيويورك. التماثيل واللوحات التي تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، تُظهر كائنات سماوية بأجنحة تحتضن الملوك، وكأنها ليست مجرد رموز دينية، بل شخوص هابطة من السماء لتمنح الحماية والمعرفة. أما معابد دندرة، فقد اشتهرت برسومات غامضة، مثل الرجل الخارج من زهرة اللوتس داخل شكل بيضاوي، إلى جانبه ثعابين وتموجات، وقد اعتبرها بعض الباحثين رموزًا للخلق والبعث، بينما فسرها آخرون كتصوير لتكنولوجيا متقدمة أو أداة طيران.

أما في كهوف تاسيلي بالجزائر، والتي تعود إلى حوالي 8000 سنة قبل الميلاد، فإن الرسومات الجدارية تظهر كائنات ضخمة بعيون دائرية وخوذ تشبه بزات الفضاء، تحيط بها رموز هندسية معقدة، في مشاهد لا تبدو مجرد صيد أو حياة يومية. علماء آثار مثل هنري لوت، الذي درس هذه الكهوف في القرن العشرين، أكد أن الرسوم غامضة إلى حد بعيد وتشير إلى أساطير عن كائنات غير بشرية.

وفي المكسيك، حيث حضارات المايا والأزتك، تُظهر النقوش كائنات تهبط من السماء على متن أقراص ضخمة أو محاطة برموز تشبه المركبات. بعض هذه النقوش موجود اليوم في متاحف مكسيكو سيتي، ويظهر فيها بوضوح الكائن ذو الرأس الكبير والجسد الضخم، محاطًا بالرموز السماوية.

حتى في القدس القديمة، نجد رقائق الفضة من “كتف هنوم” التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وتحمل أقدم نصوص توراتية معروفة، وفيها إشارات إلى البركة والحماية السماوية. صحيح أنها لا تتحدث عن أجنحة، لكنها تؤكد إيمان البشر بقوة علوية ترافقهم.

أنيس منصور، في كتابه الذين هبطوا من السماء، لفت الانتباه إلى أن رمز الريش والأجنحة ليس مجرد زينة فنية، بل هو تعبير عن الطيران والهبوط من السماء. فالبشرية كلها، من بابل إلى مصر والجزائر والمكسيك، استخدمت نفس الرمز لنفس الفكرة: هناك من جاء من فوق.

وهكذا، تتجمع الأدلة من متاحف العالم وكهوفه ومعابده لتنسج قصة واحدة، لم يستطع الزمن محوها: أن الإنسان القديم رأى أو آمن بهبوط كائنات سماوية، فخلّدها في رسوم وتماثيل وأسطورة، تاركًا لنا سرًا مفتوحًا للدهشة: من هم أولئك الذين هبطوا من السماء؟.