الرئيسية / مقالات / بين التطور والتحضر..!..بقلم- فوزية رشيد

بين التطور والتحضر..!..بقلم- فوزية رشيد

‭‬ قد يكون هناك بعض الدول التي أصابها التطور والتقدم أكثر من غيرها، فتم نعتها في موجة اختلاط المصطلحات بالدول المتحضرة رغم أن التسمية الصحيحة لها هي أنها دول متطورة، و(أن هناك في النهاية فارقا بين التطور والتحضر)! وسنطرح هذا الفارق هنا من زاوية واحدة لتبيان المقصود.

(التطور) هو فعل مادي يرتبط بالجوانب المادية علميا وتكنولوجيا وعمرانيا، وينتج عنه أثر الرفاهية الحياتية في الاستهلاك والأداء الوظيفي، مثلما ينتج عنه أنماط سياسية مرتبطة بها في أطر قيم معينة أوصلت لاحقا إلى تحكم عولمي في المؤسسات المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية.. إلخ، إلى جانب النظم التي تعتمدها الدول الغربية كنموذج للدول المتطورة من فقه السياسة الليبرالية والديمقراطية وأساليب الحكم فيها، والعمل على تكريسها عالميا ارتباطا بقيم رأس المال!

‭‬ أما (التحضر) فهو مجموعة من (القيم غير المادية) وإنما الفكرية والفلسفية والأخلاقية والدينية التي ينتج عنها سلوكيات بشرية على مستوى الدول وعلى مستوى الأفراد، تدفع الملتزم بها إلى مزيد من التأنسن وتدفع الدول إلى اعتماد قيم دولية تراعي فيها الضمير الإنساني في مختلف علاقاتها وتعاملاتها وكيفية بناء عالم حضاري لا يعتمد على قدم واحدة هي (التطور المادي)، وإنما يرفقه بـ(التطور الروحي والأخلاقي والقيمي)، وبدون ذلك تكون الدول متطورة أو متقدمة ولكن ليست بالضرورة دولا حضارية أو متحضرة! وفي ذلك الكثير من التفاصيل.

‭{‬ فيروس كورونا من بين ما فعله أنه كشف بشكل خطير هذا الفارق بين التطور والتحضر! وبين الزيف في طرح شعارات الإنسان وحقوقه بل وتأليهه في الفكر المادي، وحقيقة التعامل الإنساني معه في الواقع الفعلي أو العملي وفق منظور أخلاقي، بحيث سقطت الشعارات في مستنقع الزيف والانكشاف، واتضح أن الدول المتطورة يهمها الجانب المادي الاقتصادي والمالي والنفعي، أكثر مما يهمها الإنسان ككيان له القيمة الأعلى في هذه الحياة كما هو مفترض، وكما توصي به كل الأديان السماوية والقيم الإنسانية.

‭{‬ وإذا كانت الدول المتطورة والمنعوتة سابقا بالاستعمار والامبريالية قد بنت ثرواتها وتطورها المادي في كل النواحي ووفق الرأسمالية المتوحشة من امتصاص دم الشعوب الفقيرة وهو فعل غير حضاري، فإن الدول ذاتها التي لطالما تغنت بحضاريتها ومبادئها في حفظ حقوق الإنسان تعمل اليوم على عدم الاهتمام بشعوبها، وتتفرج على موت مرضاها، لأنها في الواقع لا تعمل ضمن القيم أو الإطار الحضاري الحقيقي الأخلاقي والديني والإنساني حتى مع شعوبها، وهذا ما فضحه فيروس كورونا!

‭{‬ الدول الحضارية الحقيقية كما اتضح هي دول الشرق؛ لأنها لم تتخل عن قدمها الأخرى في الحياة، وهي القدم الراسخة في التربة الروحية الوضعية كما الصين، أو التربة الدينية السماوية كما الدول الخليجية العربية والإسلامية! ورغم أن هذه الدول يتم الترويج لها بأنها دول غير متطورة في نمط الحكم السياسي بحسب مواصفات الغرب ولنأخذ مثالا الدول الخليجية؛ فإنها أثبتت أنها هي الدول الحضارية بالمعنى العميق لهذه الصفة! ومن ثم وهم الحكم الديمقراطي الغربي هو نمط ليس بالضرورة أنه المقياس لحكم حضاري أو عادل! في الدين الإسلامي هناك منظومة متكاملة حول الإنسان والقيم وأسس الحياة والتطوير الروحي مثلما الدفع إلى التحصن بالعلم والقوة المادية الدنيوية ولكن ليس على حساب القوة الروحية التي لا يعطيها إلا الدين وحده!.

لقد أثبت الغرب مع أزمة كورونا وما قبلها من أنماط استعمارية أنه منذ أمد طويل يسير على قدم واحدة ولا يرى إلا بعين واحدة هي عين المادة، فيما الروح والقيم الدينية والإنسانية مهملة إلى حد بعيد رغم تطورها المادي والتكنولوجي والعلمي، ووحدها دولنا هي الأكثر تحضرا رغم تباطؤها في إنتاج العلم والتكنولوجيا، بسبب ما أريد لها أن تكون في خانة الاستهلاك وحده، ولكن قدمها راسخة في أرض الدين والقيم الأخلاقية أكثر بكثير من الدول المسماة المتطورة والمتقدمة! وآن لدولنا العربية والإسلامية أن ترسخ قدمها الأخرى في التطور المادي والدنيوي ولكن بمواصفات تحضرها الديني والأخلاقي، لتسير على قدمين ثابتتين في عالم كشف فراغ وزيف التقدم الرأسمالي العولمي إذا كان مفصولا عن القيم الدينية والروحية والأخلاقية..!.
المثال والقدوة يجب أن يكون اليوم في مكان آخر غير ما اعتدنا أن نسميه الدول المتقدمة أو المتطورة، ولكن حتما ليس المتحضرة!

(أخبار الخليج)

عن admin

صحفي وكاتب ومستشار اعلامي

شاهد أيضاً

في الأكاديمية الملكية للشرطة.. كل خريج قصة أمنٍ واعٍ..بقلم د. بثينة خليفة قاسم

إن التعليم هو أعظم سلاح يمكن لأي دولة أن تمتلكه في معادلة الأمن الوطني، فلم …