الرئيسية / مقالات / العبقرية الفنية والتسويق- بقلم منى الروبي

العبقرية الفنية والتسويق- بقلم منى الروبي

كيف تُحدد قيمة عمل الفنان التشكيلي عالميًا؟

تحديد قيمة الفنان التشكيلي يعتمد على عدة عوامل تتجاوز مجرد عدد الأعمال الفنية التي ينتجها. من بين هذه العوامل، تبرز الجودة الفنية للعمل نفسه، مدى تأثيره، والجمهور الذي يتوجه إليه. المشاركات الدولية تعد أيضًا مؤشراً قوياً على قيمة الفنان؛ فالتواجد في معارض دولية يُظهر مستوى عالمي، بينما قد تظل المشاركات المحلية محدودة في تأثيرها وشهرتها.

قصة الفنانة جورجيا أوكيفي تقدم مثالاً قوياً على هذا، عُرفت أوكيفي بأنها رائدة الفن التجريدي الأمريكي، وقد تميزت أعمالها بألوان زاهية وتفاصيل مستوحاة من الطبيعة، وخاصة الزهور والمناظر الطبيعية. رغم أن لوحاتها كانت بسيطة في الشكل، إلا أن توقيعها الفني كان فريدًا وجعلها واحدة من أهم الفنانات في القرن العشرين. أعمالها قد تصل قيمتها إلى عشرات الملايين اليوم، وهي تشتهر بالعمق الفلسفي الذي وضعته في أعمالها والتأثير الكبير الذي أحدثته في الفن الأمريكي. تُعتبر أوكيفي مثالًا على الفنانة التي عرفت كيف تخلق لنفسها توقيعًا فنيًا مميزًا يعكس روح العصر والجمهور الذي كانت تتوجه إليه.

تحديد قيمة اللوحة الفنية يتم عبر مزيج من الاعتبارات. من الناحية الفنية، تعتمد القيمة على مدى ابتكار الفنان واستخدامه للتقنيات والألوان، وقدرته على نقل فكرة أو إحساس. أما من الناحية المادية، فتُحدد من خلال مكانة الفنان في السوق، وندرة الأعمال التي أنتجها، وسجل المشاركات والمعارض الدولية التي شارك فيها.

مقارنة بين فناني نفس العصر تُظهر أحياناً فروقاً واضحة في التقدير، ليس بالضرورة لأسباب فنية بحتة. بيكاسو، على سبيل المثال، يُعتبر عبقريًا ليس فقط في إنتاجه الفني، بل في تسويقه لنفسه كان لديه قدرة استثنائية على إثارة الاهتمام والتسويق لأعماله، مما جعله واحدًا من أكثر الفنانين نجاحًا من الناحية التجارية. أما فان جوخ، رغم عبقريته الفنية وتقديمه لأعمال أصبحت من أعظم اللوحات في تاريخ الفن، لم يتمكن من تسويق نفسه بنفس الكفاءة، حيث عاش حياة صعبة مادية.

بيكاسو كان يفهم كيف يتحكم في صورته الإعلامية ويثير الجدل حول أعماله، في حين أن فان جوخ كان مغمورًا نسبيًا خلال حياته ولم يحقق الاعتراف والشهرة إلا بعد وفاته. يُعزى هذا الفرق إلى قدرة بيكاسو على التفاعل مع وسائل الإعلام والتجار بشكل أكثر فعالية، بينما فان جوخ كان يغلب عليه الطابع الانطوائي ولم يهتم بتسويق أعماله بنفس القدر.

في النهاية قيمة الفنان التشكيلي تتحدد عبر مزيج معقد من الإبداع، التأثير، والقدرة على التواصل مع الجمهور، بالإضافة إلى الاستفادة من الفرص العالمية.