الرئيسية / أخبار / حين بدأنا بناء المستقبل الرقمي قبل 18 عاماً-بقلم..عبدالمنعم ابراهيم

حين بدأنا بناء المستقبل الرقمي قبل 18 عاماً-بقلم..عبدالمنعم ابراهيم

في الوقت الذي يشهد فيه العالم طفرة متسارعة في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، تقف مملكة البحرين بثقة، ليس لأنها أول من اكتشف هذه التكنولوجيا، بل لأنها آمنت بها مبكراً، وأرست دعائمها في وقتٍ لم يكن العالم بعدُ قد استوعب حجم التحول الرقمي القادم. ففي عام 2007، أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، مرسوماً بإنشاء هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، ليكون ذلك القرار حجر الأساس في مشروع وطني بعيد النظر، أعاد تعريف علاقة الدولة بالخدمة العامة، وفتح الباب أمام التحول الرقمي الشامل.

لم يكن ذلك التحرك مجرد تحديث إداري أو استجابة لمتغيرات اللحظة، بل رؤية استباقية وضعت البحرين على طريق واضح لبناء بنية تحتية رقمية حديثة، تُهيئ مؤسسات الدولة لتبني التكنولوجيا في مختلف مفاصلها، وتُقدّم للمواطن خدمات ذكية ترتكز على الكفاءة والسرعة والشفافية.

واليوم، تتجدد هذه الرؤية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، الذي وجّه بتسريع وتيرة التحول الرقمي من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، ورفع كفاءة الأداء الحكومي، وتحقيق أعلى معايير الخصوصية والامتثال الأخلاقي في استخدام التكنولوجيا.

لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً تجريبياً أو مقتصراً على المختبرات أو الشركات الكبرى، بل أصبح جزءاً من حياة الناس اليومية. يستخدمه الطالب في التعلّم، والطبيب في التشخيص، والمهندس في التخطيط، والموظف في تبسيط المهام. لم نعد نبحث عن كيفية «تعلم الذكاء الاصطناعي»، بل كيف نجعله يعمل لصالحنا، وينسجم مع احتياجاتنا، ويضيف قيمة حقيقية للمؤسسات والمجتمع.

لكن الحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها، أن التكنولوجيا لا تنجح بوجودها وحده، بل بكيفية استخدامها. أن تمتلك آلة ذكية لا يعني أنك ستحقق نتائج ذكية، ما لم تُهيّأ هذه الآلة لتفهم بيئتك، وتُدار بعقول مدرّبة، وتُوظف لأهداف واضحة. فالذكاء الاصطناعي، في جوهره، لا يبدع من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى ذكاء بشري يوجّهه ويصقله ويعيد تصميمه باستمرار.

وفي هذا الإطار، تمضي البحرين بخطى واثقة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي، والتي تهدف إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات حيوية مثل التعليم، والصحة، والنقل، والأمن، إلى جانب تعزيز البحث العلمي، وتطوير الكفاءات الوطنية، وتوسيع البنية التحتية الرقمية بما يواكب التحولات العالمية.

البحرين لا تنتظر التطورات لتلحق بها، بل تصنع لنفسها موقعاً فاعلاً في قلب هذا التحول العالمي. نحن لا نركض خلف القطار الرقمي، بل نقود إحدى عرباته. العالم اليوم يُبهره ما يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله، لكننا في البحرين مشغولون بسؤال أعمق، ماذا يمكن أن يُضيف فعلياً لحياة الناس؟ وكيف نجعل من هذه التقنية أداةً لتحسين جودة الخدمات، وكفاءة المؤسسات، وازدهار المجتمع؟

الذكاء الاصطناعي ليس موجة عابرة، بل هو ركيزة من ركائز المستقبل، ويجب أن يكون جزءاً من ثقافتنا التعليمية، ومناهجنا التدريبية، وأدواتنا المهنية. فالمستقبل لا يُمنح لمن يتردد، بل يُصنع اليوم على أيدي من يملكون الجرأة على الابتكار، والقدرة على التخطيط، والإرادة للاستمرار.

Bunoor7@gmail.com

عن صحيفة (الوطن) البحرينية