الرئيسية / مقالات / الحداثة وما بعدها..بقلم منى الروبي                 

الحداثة وما بعدها..بقلم منى الروبي                 

فن ما بعد الحداثة هو ذلك الطفل المشاغب الذي رفض القواعد، قلب الطاولة على الأساتذة، وسألني صديق هل هو فن اصلا ؟ فاجبتة  بسؤال : “ما هو الفن أصلًا؟”  اذا عرفت ان تجيب على هذا السؤال تستطيع ان تقيم اي عمل فني ! ظهر هذا التيار في الستينيات، عندما قرر الفنانون أن الحداثة قد أخذت نفسها بجدية أكثر من اللازم. لماذا كل هذا التجريد والقوانين ؟ سؤالي الدائم  لماذا لا يكون الفن ممتعًا، مستفزًا، وربما… موزة ملصقة على الحائط؟

نعم، نتحدث عن “الموزة” الشهيرة لماوريتسيو كاتيلان، التي بيعت بـ120 ألف دولار، ثم أكلها أحد الزوار وكأنها وجبة خفيفة! هنا يكمن سر فن ما بعد الحداثة، الفكرة هي الأساس، وليس المادة، الفن لم يعد مجرد لوحة زيتية تزين الصالونات، بل أصبح تجربة، لعبة ذهنية، وأحيانًا نكتة فنية بملايين الدولارات.

التيار هذا لم يكن ليحدث لولا عباقرته المتمردين مثل آندي وارهول، الذي حوّل علب شوربة كامبل إلى أيقونات فنية، وجيف كونز الذي صنع كلبا بالونيا من الفولاذ اللامع وبيعه بأكثر من 58 مليون دولار. هناك أيضا داميان هيرست، الذي فكر: “لماذا لا أضع سمكة قرش في الفورمالديهايد وأطلق عليها اسم فن؟” ونجح!

أما عن المعارض، فهي ليست مجرد صالات عرض تقليدية، بل مهرجانات إبداعية مثل “آرت بازل” و”تايت مودرن”، حيث تجد أعمالا تجعلك تفكر، تضحك، أذكر عندما كنت بلندن سألني صديق وهو يتفحص إحدى لوحاتي “يمكنني فعل ذلك أنا أيضا؟” فأجبته : “نعم، لكن لن يشتريها أحد منك!”

إذن، لماذا تُباع هذه الأعمال بأسعار خيالية؟ ببساطة لأننا فنانين هذا اللون ، ندرك أن  فن ما بعد الحداثة هو فن الذكاء، التلاعب بالسياق، وتحويل العادي إلى استثنائي، إنه استثمار ثقافي وتجاري، حيث يشتري الأثرياء فكرة قبل أن يشتروا شيئا ملموسا، هذا الفن لا يحاول إرضاء الجميع، بل يثير الجدل، يُربك، ويجعلنا نعيد التفكير في كل ما نعتقد أننا نعرفه عن الجمال والإبداع.

في النهاية.. فن ما بعد الحداثة هو مثل فلسفة بصرية راقية قد لا يفهمها الجميع، لكنها بالتأكيد تُحدث ضجة..!