عند زيارتي لمدينة بروكسل اصريت أن ازور “صالون الشوكولاتة”، فلي مع الشوكولاتة قصة حب لا تنتهي، في هذا الصالون لا تُعرض لوحات فنية تقليدية، بل تحف فنية من الشوكولاتة: فساتين مصمّمة من رقائق الكاكاو، منحوتات لوجوه بشرية، وحتى مجسمات لكاتدرائيات مشهورة نُحتت بعناية في كتل الشوكولاتة البلجيكية الداكنة، في تلك اللحظة يدرك الزائر أن الشوكولاتة في بلجيكا ليست مجرد حلوى، بل فنٌ يُصاغ بالحواس الخمس.
لكن خلف هذا البريق، تمتد قصة طويلة بدأت منذ أكثر من 160 عامًا، عندما قرر صيدلي يُدعى جان نيوهاوس أن يغلف أدويته بالشوكولاتة ليسهل على زبائنه ابتلاعها. لم يكن يدري أنه بهذا الابتكار سيؤسس أول دار فنية للشوكولاتة، والتي ستنتج لاحقا أول “برالين” محشوة في العالم، ومنذ ذلك الوقت توالت الأسماء اللامعة مثل Godiva وLeonidas وMarcolini، لتتحوّل الشوكولاتة إلى هوية بلجيكية أصيلة، وكنز ثقافي لا يقل أهمية عن المعمار والفن التشكيلي.
في صالون الشوكولاتة، التقيت بفريق صغير من الحرفيين الذين جاءوا من مدينة بروج، كانوا يتحدثون بفخر عن أنواع الكاكاو القادمة من إفريقيا، وخاصة من ساحل العاج والكونغو واحدة منهم قالت لي:
“هل تعلمين أن 70% من كاكاو العالم يأتي من إفريقيا..؟”.
أجبت اعلم ذلك فانا من اصول اقريقية ولكن السؤال : “لمَ لا نسمع عن ذلك كثيرًا..؟”.
“لأن خلف نكهة الشوكولاتة، تاريخ لا يذوب بسهولة”.
وبالفعل، لم يكن سرّ حب البلجيكيين للشوكولاتة بريئا دائما، فحين استعمرت بلجيكا الكونغو في أواخر القرن التاسع عشر، حوّلت تلك الأراضي إلى مورد ضخم للكاكاو. ومع الوقت أصبح الأفارقة يعملون في ظروف قاسية، ليُنتجوا المادة الخام التي تصنع منها “الحلوى الملكية” في أوروبا، وما زالت أصوات كثيرة حتى اليوم تطالب بلجيكا بالاعتراف باستغلالها لتلك الأراضي، التي قدّمت ثرواتها دون أن تحصد شيئا.
وبينما كنت أدوّن ملاحظاتي في المعرض، نظرتُ إلى قطعة شوكولاتة من نوع “ماركوليني”، وسألت نفسي: هل ما زالت الشوكولاتة تنتمي للفن أم للاستعمار؟ ربما الاثنين معا “الفن الجميل لا يُنسينا الحكايات المُرة، بل يُعيد سردها بنكهة مختلفة، ربما يجب أن أكتب سلسلة عن من سرق خيرات أفريقيا.