الرئيسية / مقالات / المسيرة الإصلاحية في البحرين منجز غير مسبوق في العصر الراهن..بقلم خالد ابواحمد

المسيرة الإصلاحية في البحرين منجز غير مسبوق في العصر الراهن..بقلم خالد ابواحمد

إن التغيير التأريخي الذي حدث في البحرين وعُرف عالميا وإقليميا ومحليا بالمشروع الاصلاحي فبراير (2001م) قاده جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة دخل بهذه الجزيرة التاريخ من أوسع أبوابه؛ ذلك لأن الحدث كان كبيرا وأحدث تغييرا هو الأول من نوعه في هذا البلد على كل الأصعدة، وخاصة في التنمية الاجتماعية والعمرانية والتوسع في مجالات توفير الوحدات الاسكانية، والمؤسسات الصحية والتعليمية والتعليم العالي وزيادة الخدمات التي تقدم للمواطنين،..إلخ، وبعدد 22 عاما عاما على بدأ هذه المسيرة المباركة لا بد من التأكيد على أن حصيلة المسيرة الاصلاحية حتى الآن حققت أهدافا كثيرة وفي وقت قصير نسبيا.

ان الأمانة الصحفية تفرض على الكاتب قول الحقيقة، لذلك أقول لا زالت هناك بعض المجالات تحتاج لعمل ولجهود كثيرة، وأن هناك بعض المفاهيم التي تحتاج للترسيخ في نفوس الناس أكثر، ومن المهم قوله في هذه السانحة هو أن الملك المفدى لم يصرح أبدا بأن مشروعه الإصلاحي قد بلغ كماله وتمامه، لكنه دائما يؤكد على المضي قدما في الاصلاح والبناء والتحديث، وكمراقب وراصد أقول بأن ما تحقق من إنجازات يقف عندها المرء بالاجلال والتقدير والاحترام، قد لا نكتشف حجم العمل الحقيقي والجهود الكبيرة والإنجازات التي تحققت على أرض الواقع إلا عندما نقارن حجم القوة الاقتصادية بين البحرين، وشقيقاتها بدول الخليج مثل عائدات البترول والغاز الطبيعي والصناعات الثقيلة، عندها سندرك أن البحرين بامكانياتها المتواضعة حققت ما لم تحققه الكثير من البلاد بإمكانياتها غير المحدودة من النفط والغاز وغيرها.

انجازات الملف الاسكان أدهشت دول الخليج..!

 انجازات كثيرة تحققت في البحرين ويمكننا في هذا الصدد أن نضرب مثل بذلك مجال الاسكان، وهنا تحضرني إحدى مشاركاتي في تغطية هذا الملف الحيوي من واقع عملي، أن وزارة الاسكان في نهاية مارس 2015م كانت قد دعت مسؤولي وزارات الاسكان بدول الخليج لزيارة البحرين للتعرف على تجربتها في بناء وانجاز الوحدات الاسكانية، وضم الوفد الخليجي كل من مدير عام الإسكان الاجتماعي بوزارة الاسكان بسلطنة عمان عائشة عبدالله العلوي، و مدير عام التعاون الدولي بوزارة الإسكان بالمملكة العربية السعودية ناصر العمار،  مدير إدارة الاسكان بدولة قطر المهندس مهنا ناصر المناعي، ومن وزارة الإشغال العامة بدولة الامارات العربية المهندسة مروة عبيد التفاق، ونائب المدير العام للمؤسسة العامة للاسكان بدولة الكويت الاستاذ خلف مبارك المنديل، وأخيرا مدير إدارة البلديات والاسكان بالامانة العامة لمجلس دول التعاون الخليجي المهندس عبدالله علي الربعي.

وكالة أبناء البحرين (بنا) قد كلفتني بمصاحبة هذا الوفد لمدة يومين تشرفت بأن كنت الصحفي الوحيد المرافق لهم، كان هناك برنامجا حافلا بدأ بحفل استقبال بمقر الوزارة بالمنطقة الدبلوماسية، ثم تحركنا في جولات ميدانية للوقوف على العمل ومن بينها المدينة الشمالية ومدينة خليفة الاسكانية، هذه المدن كانت تحت الإنشاء، ثم زرنا اسكان اللوزي كانت فيه بعض الوحدات قد انتهى العمل بها، ومن بينها عدد من الشقق مخصصة لنساء مطلقات، ضيوف البحرين شاهدوا هذه الوحدات من الداخل وما فيها من معدات كانت حديثة جدا، حقيقة انبهروا بما شاهدوه، وكنت ألحظ ذلك في وجوههم وقد عبّروا لي شخصيا عن دهشتهم لما رأوه في البحرين.

وأقيمت للوفد الخليجي بعد ذلك العديد من ورش العمل في الموضوعات المرتبطة بتنفيذ الخطط السكنية، والسياسات الإسكانية المتصلة بتنفيذ المشاريع على الأرض، والطريقة التي يتم من خلالها توزيع الوحدات على المواطنين، مع التأكيد على الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة في البحرين بتوفير الوحدات السكنية.

وفي الساعات الاخيرة قبل مغادرتهم البلاد وفي الاستطلاع الذي اجريته معهم وتم نشره وتعميمه على كل الصحف يوم الثلاثاء 31 مارس 2015م، بعنوان (وفود خليجية تشيد بالانجازات التي حققتها البحرين في مجال الإسكان)، أشادوا بالجهود الكبيرة الواضحة التي تقوم بما القيادة من أجل الارتقاء بالمواطنين والعمل باجتهاد كبير في التقدم بالبلاد ووضعها على مصاف الدول المتطورة إسكانيا، وأكدوا في حديثهم أنهم “دهشوا مما شاهدوه من انجاز للمشاريع الاسكانية، وقد عبروا عن اعجابهم بفكرة المدن الاسكانية متكاملة الخدمات، وما شاهدوه فيها من افكار رائعة تمكن من تحقيق التنمية العمرانية والاجتماعية للمواطنين البحرينيين، موضحين أنهم سينقلوا الكثير من التجارب والافكار المبدعة التي نفذتها مملكة البحرين إلى بلدانهم والاستفادة منها”.

لا شك ملف الاسكان يمثل انجازا كبيرا من مجالات كثيرة حققت فيها البحرين طفرات على مستويات عالمية مثل الحكومة الالكترونية، والتطور الكبير في القطاع المصرفي، وفي الصيرفة الاسلامية التي تشتهر بها مملكة البحرين، وقطاع الاتصالات، والاهتمام بالشباب في جميع المجالات، وتفرد البحرين في المجال الطبي والصحي الذي عكسته أزمة (كوفيد 19) الأمر الذي عكس للآخرين تميز الكفاءات الوطنية البحرينية ونجاح رؤية جلالة الملك وسمو ولي العهد في الاستثمار في الشباب البحريني.

تجاوز الأزمات العالمية

إن المسيرة الإصلاحية أعطت الاقتصاد البحريني قوة وثبات بفضل السياسات الناجعة، الأمر الذي مكّن البحرين من تجاوزت كل الأزمات الاقتصادية العالمية التي هزت الكثير من الدول وأضعفت قوتها المالية، ومن هنا عندما أقول أن قيادة البحرين تمتلك فكرا ابداعيا رصينا ذا بعد استراتيجي ميزها عن الآخرين أعني ذلك لأنها استطاعت ان تتجاوز أصعب المهددات الاقتصادية والأمنية والصحية في الفترة الماضية، وذلك بحكمة وحنكة بل شجاعة نادرة الحدوث، خاصة عندما نشير إلى الأحداث المؤسفة في مارس/أبريل (2011)  من خلال القرار الشجاع الذي اتخذه جلالة الملك بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بالأمر الملكي رقم (28) لسنة 2011م في 29 يونيو 2011م.

رئيس اللجنة القانوني الضليع البرفسيور شريف بسيوني قال ” هي المرة الأولى التي تبادر الدولة من تلقاء نفسها وفي وقت مبكر من الأحداث ودون انتظار لضغوط إقليمية أو دولية إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية اختير أعضاؤها بموضوعية بالغة لا تستهدف الاستفادة من علمهم وخبرتهم وتاريخهم وحسب ولكن تبغي حيادهم وموضوعيتهم وحرصهم على خير الإنسانية وعلى تطبيق أفضل المعايير لحماية وصون حقوق الإنسان من أي اعتداء باعتباره الطريق الأوحد لضمان رفاهة الإنسان”.

ويضيف عليه رحمة الله “أن الحدث هو تاريخي فريد واجتماعي هام لأنه وللمرة الأولى أيضاَ تقبل حكومة ما تزال تمارس سلطتها بأن تفتح جميع ملفاتها وبأن تستقبل كل أنواع الاتهام الموجه ضدها، وبأن تسهل مهمة عمل من يسعى إلى تقييم أدائها، وربما إقامة الحجة على تقصيرها رغم إدراكها لحساسية الموقف ورغم تقديرها لخطورة ما قد يترتب على ذلك من نتائج”.

لكن المتأمل في قرار الملك حمد بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق يدرك تمام الإدراك بأن جلالته قد انتهج هذا النهج لمعالجة تداعيات تلك الأزمة على المجتمع بهدف الحفاظ على وطن واحد للجميع، ونسيج اجتماعي واحد قادر على تجاوز الصعاب، ومن ثم فإن الهدف لم يكن تجاوز آثار الأزمة، وتحقيق الأمن فحسب، بل انتهاج المحاسبة والمساءلة، وكذلك نشر ثقافة الحوار كقيمة يجب أن تكون هي أداة يرتضيها الجميع لبحث القضايا ومتطلبات التحديث والتطوير.

تحديات وطموحات

كل مشاريع الإصلاح في العالم والتحولات الديمقراطية لم تنجح وتترسخ على أرض الواقع إلا بعد مضي عشرات العقود من الزمان أقلها 70 عاما من الحراك السياسي والاجتماعي والمعرفي والعصف الذهن وإعمال الفكر، ويتوقف النجاح كذلك على البيئة والمناخ المجتمعي، فالبحرين ذات حضارة ضاربة في القديم وشعبها من الشعوب الطموحة، والمعروفة بتجذرها الحضاري والعِلمي والثقافي وسعة معرفتها بالعالم، لذلك أقول أن التجربة البرلمانية في البحرين حديثة جدا وتحتاج عقود أخرى من السنوات، مع التأكيد على أن المناقشات التي تدور في المجتمع الآن حول فعالية أعضاء البرلمان من عدمه هو أمر صحي جدا، يشير إلى حيوية الشعب البحريني وطموحه الكبير، من زاوية أخرى هذه المناقشات تشير بوضوح شديد إلى أن المستقبل بإذن الله يتجه نحو برلمان قوي جدا له تأثيره الكبير في ازدهار وتطور البلاد.

إنّ سنوات العقدين الماضيين لم تمر على البحرين مرور الكرام إذ واجهت فيها المملكة الحروب الإعلامية ذات النفس الطويل والمؤامرات التي تحاك ضدها من الخارج التي أبدا لم تنقطع ولم تتوقف، وقد هدفت في المقام الأول إلى التشويه على ما حققته البحرين والتي خلقت صدا عالميا كبيرا وتفاعلت معها العديد من دول العالم، وتم تكريم قادة البلاد في أكبر المحافل العالمية لنجاحاتها في تحقيق معدلات تنموية عالية ومرتفعة، والهدف الثاني زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد بشكل دائم من أجل استنزاف الدولة حتى لا تواصل مسيرتها في الازدهار والتقدم، ومن ثم لا تقوى على الصمود وتنهار سريعا، والهدف الثالث خلق فتنة طائفية في البلاد تحترق الأخضر واليابس ويدوم تأثيرها طويلا، لكن صمود الملك حمد في قيادته البلاد بحنكة في وجه هذه التحديات القوية هو أمر غير مسبوق ألبتة، وهو صمود يعجب الراصد والمقيم.

ومن هنا أقول أن مملكة البحرين بنهجها المستمر في العمل وتحقيق الانجازات في صمت وخبرتها الطويلة في تجاوز الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها، ستمضي للأمام ولا أعتقد أنها ستنكسر أو تتراجع عن ما أقدمت عليه، لأنها تعرف بأن ضريبة التطور واللحاق بركب العالم المتقدم عالية ومكلفة لكن لا انحناء أمام العاصفة مهما بلغت من قوة.

29 مايو 2022م