الرئيسية / مقالات / الكويت التي في خاطري.. بعيدا عن (السوشيل ميديا) وقريبا من القلب

الكويت التي في خاطري.. بعيدا عن (السوشيل ميديا) وقريبا من القلب

خالد ابواحمد –

من أسوأ سلبيات أدوات التواصل الاجتماعي مجتمعة (الواتساب+الانستغرام+الفيس بوك+ تويتر X+ واليوتيوب)، أنها اصبحت عنصرا لتغبيش وعي المواطنين، واخفاء الحقائق بل وتشويهها فضلا عن ترسيخ قناعات الناس في الأمور السلبية والتافهة إذا جاز لي التعبير، إضافة إلى زعزعة القناعات ولي عنق الحقائق الراسخة والثابتة، والمُسّلم بها لدى مجتمعاتنا، فكلما أنظر لهذا الدور المدمر لـ(السوشيال ميديا) تلقائيا تقفز إلى ذهني دولة الكويت الشقيقة التي أكن لها كل المحبة والتقدير قيادة وشعبا، لأنها نموذج في الاستهداف الممنهج عبر هذا الآليات التي ذكرتها آنفا.

قبل أشهر كنت اتحاور مع ابني الصغير ماجد المتخرج في جامعة البحرين كلية الحقوق فهو صاحب نظرة، لذلك اعتبره مستشاري القانوني، كان حوارنا حول الصورة الشائنة والمسيئة التي تحاول أدوات التواصل الاجتماعي أن تظهر بها دولة وشعب الكويت العزيز فقد بينت لأبني بحسب الخبرة الصحفية والاعلامية التي أمتدت لأربعة عقود من الزمان، أن وسائل التواصل الاجتماعي دائما تبرز كل ما هو مسئ وشائن وتتكسب منه، فهي تركز بشكل كبير على كل ما هو سلبي وتقوم بتضخيمه للدرجة التي تقنع شرائح كبيرة جدا في مجتمعاتنا بصحة ما تنشره وتصوره، وللأسف هذا الذي حدث بالنسبة لدولة الكويت في الفترة الاخيرة بداءا منذ ظهور ما يعرف بـ(الفاشنيستات) والطريقة التي تضخمت بها أخبارهن وقصصهن التي لا تنتهي،  وكيف أن (السويشال ميديا) ركزت عليها باعتبارها فرصة مواتية للكسب المادي، مع العلم أن معظم المتابعين للحسابات هذه من الأطفال والمراهقين الذين تبهرهم الطريقة المتقنة في الترويج لـ(الفاشنيستا).

هناك الكثير من القضايا الاجتماعية في دولة الكويت التي أثيرت في الأعوام الأخيرة عبر وسائل التواصل للأسف أعطت انطباع سئ لدى الذين لا يعرفون الكويت وشعبها العزيز وأنا كمختص في المجال الاعلامي أقول للذين لا يعرفون أن التطور التقني الكبير الذي حدث في وسائل التواصل الاجتماعي تسهل معه عملية تضخيم الصورة السيئة بدرجة كبيرة، وتجُملها في نفوس الناس حتى تصبح وكأنها حقيقة ماثلة على أرض الواقع، لذلك الكثير من رُواد (السوشيال ميديا) يقعون في هذه المصيدة فيصدقوا كلما تنشره وتصوره، وبطبيعة الحال ان الأخبار الايجابية والصور المشرقة داخل المجتمع الكويتي أو غيره لا تجد الاهتمام اللازم من مواقع التواصل الاجتماعي لأن الأخبار الايجابية لا تحقق مشاهدة عالية كما الأخبار السلبية التي تثير الناس، ولا يتم تداولها وتعميمها على الأصحاب والأصدقاء والأهل..!.

الكويت التي في خاطري

ارتبطت بدولة الكويت الشقيقة منذ صغري من خلال مجلة (العربي) التي كان والدي متعه الله بالصحة والعافية يحرص حرصا شديدا على قراءتها، وكنت أواظب على الاستمتاع بقراءتها، وفي مكتبتي الصغيرة نسخ كثيرة من ملحق (العربي الصغير) التي احسب انها من اجمل الاصدارات على الاطلاق في عالمنا العربي الموجه للاطفال في ذلك الوقت بما فيها من موضوعات ثقافية وأدبية وتأريخية وجغرافية، وقد تابعت مسيرتها حتى صدر (العربي الصغير) في عام 1986م، في الخرطوم كان لدينا شخصية كويتية فذة دبلوماسي عريق هو المرحوم السفير عبدالله السريع سفيرا للكويت بالسودان في ثمانينيات القرن المنصرم.

السفير السريع أقام فترة طويلة بجنوب السودان حتى أطلق عليه اسم (عبدالله جوبا) وجوبا هي عاصمة الجنوب السوداني، من فرط حبه لبلادنا وللجنوب على وجه الخصوص، حوَّل حبه الكبير إلى مستشفى ومدارس في (جوبا) واستثمارات كُبرى في الشمال، وعندما غادر السودان افتقدته المنتديات والمجالس الثقافية والادبية والدبلوماسية، وكان السفير الكويتي العربي الوحيد الذي يعرفه كل أهل السودان عليه رحمة الله، ولدولة الكويت في السودان مشاركة كبيرة في أهم الاستثمارات الضخمة على الاطلاق من أميزها وهو  مصنع سكر كِنانة، للكويت نصيب كبير من الأسهم، وهو أكبر مصنع للسكر في العالم ينتج حوالي 400 ألف طن سنويا، وللكويت الكثير من الأيادي البيضاء على بلادنا في كافة المجالات لا يمكن حصرها في هذه المساحة المتواضعة.

وآخر ايامي في السودان العام (2000) ارتبطت بعلاقة محبة أخوية بالاخ العزيز السفير فهد أحمد العوضي (حاليا مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون الوطن العربي) الذي كان حينها قائما بالأعمال بسفارة الكويت في الخرطوم، وهو دبلوماسي مخضرم، من أبناء الكويت الأوفياء الحريص كل الحرص على خدمة بلاده في السودان، وفي مملكة البحرين العزيزة ومن خلال العمل الصحفي تعرفت على عميد السلك الدبلوماسي سفير دولة الكويت (الأسبق) الشيخ عزام مبارك الصباح، فهو أيضا نموذج للطيبة الكويتية والتميز في بناء العلاقات الانسانية المثمرة.

بعيدا عن (السوشيل ميديا)..!

هناك الكثير من المجالات عن دولة الكويت بعيدة كل البُعد عن (السوشيل ميديا)، خاصة فيما يتعلق بالعمل الانساني الكويتي، فمنذ سنوات طويلة كانت الكويت ولا زالت من أكبر دول العالم في الانفاق على العمل الخيري برغم صغر مساحتها وقلة سكانها مقارنة بالدول الأخرى في هذا المجتمع البشري، وقد جُبل أهل الكويت منذ القدم على مد يد العون والمساعدة الإنسانية عبر أعمال خيرية بلغت مختلف أرجاء الأرض بعيدا عن أي اعتبارات تتعلق بالدين أو العرق أو الجنس أو اللون، والمتابع والراصد يجد أن الكويت طوال تاريخها الانساني والخيري الطويل والمُضيء وعبر جهود شعبية جماعية وفردية، حاضرة في كل القضايا الانسانية وصولا إلى قارات العالم الخمس، ينفق أهل الكويت من حر مالهم مليارات الدولارات برضا وبحب وسماحة، سرا وعلانية هذا هو الشعب الكويتي الذي أعرفه ولا تعرفه وسائل التواصل الاجتماعي، في هذا المقام أحي أخي العزيز الزميل في مجال التوثيق التأريخي الاخ الدكتور خالد الشطي مؤسس ومدير عام مركز الكويت لتوثيق العمل الانساني بارك الله في سعيه.

قبل فترة قرأت خبر عن حجم الإنفاق الإنساني والخيري للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية الذي صرح مديرها العام المهندس بدر سعود الصميط ” أن حجم الانفاق في العمل الانساني تجاوز 1.3 مليار دولار، وأن عدد المشاريع الخيرية بلغ 25 ألفا عبارة عن خدمات إنسانية للمحتاجين في العالم من دون تمييز، وتركيز رسالتها الإنسانية على بناء الإنسان وتمكينه تعليمياً واقتصادياً وثقافياً، ليكون قادراً على إحداث التأثير الإيجابي في المجتمع الذي ينتمي إليه”، نلاحظ أن هذا الانفاق الضخم لمؤسسة خيرية كويتية واحدة فقط، وتزخر الكويت بعدد كبير من مؤسسات العمل الخيري والتطوعي.

وإذا وددنا أن نقدم نموذج للشخصية الكويتية المعطاءة يمكننا في هذا المجال نذكر الشيخ الجليل الدكتور عبدالرحمن حمود السميط عليه رحمة الله، وهو صاحب مسيرة عطاء طويلة تخطت حدود العالم العربي  لتصل إلى مجاهل إفريقيا حيث زرع بصمة طيبة تحكي قصة كفاح هذا الرجل في رسم البسمة على وجوه الملايين من المحتاجين والفقراء هناك، ويعتبر الفقيد السميط شخصية كويتية رائدة في مجال العمل الخيري والإغاثي أفنى عمره بهذا المجال في مختلف أنحاء العالم لاسيما في القارة الإفريقية ليصبح رحمه الله أحد أعلامه البارزين على مستوى العالمين العربي والإسلامي، كنت قد قابلته في مملكة البحرين العام 2003م عندما جاء للمشاركة في إحدى اجتماعات العمل الانساني بفندق الدبلومات بالمنامة، نحن في السودان على وجه الخصوص ودولنا الافريقية عامة نرى بصماته في بقاع كثيرة في محيطنا، وفي أحلك الظروف التي مرت بها أفريقا كانت المجاعة عام 1984م حيث ساهم الراحل في إنقاذ أكثر من 320 ألف مسلم من الجوع والموت في السودان وموزمبيق وكينيا والصومال وجيبوتي.

وعلى صعيد أعمال البر قام الدكتور السميط بالعديد من المشاريع الخيرية منها بناء 1200 مسجد ودفع رواتب شهرية ل 3288 داعية ومعلما ورعاية 9500 يتيم وحفر 2750 بئرا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون حول العالم وبناء 124 مستشفى ومستوصفا وتوزيع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس وتوزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف الشريف، وطبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات إفريقية مختلفة، كما قام ببناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل، وعقد 1450 دورة للمعلمين وأئمة المساجد ودفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب مسلم فقير، وتنفيذ وتسيير عدة مشاريع زراعية على مساحة 10 ملايين متر مربع وبناء وتشغيل 200 مركز لتدريب النساء وتنفيذ عدد من السدود المائية في مناطق الجفاف، وفضلا عن ذلك تكفل الراحل بإقامة عدد من المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجانا للتخفيف على الموارد الصحية القليلة ضمن إطار برنامج مكافحة العمى وتقديم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية، هناك الكثير من الارقام والاحصائيات التي لا تسع المساحة ذكرها في هذا المقال للفقيد الراحل.

الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

لدولة الكويت الكثير من المساهمات في تحقيق التنمية البشرية على مستوى واسع من بلاد العالم، فإن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية يلعب دورا مهما ومتعاظما في تحقيق النجاحات التنموية من أجل خدمة الانسان بعيدا عن المكاسب المالية، إن الصندوق يعمل لعقود من الزمان في صمت شديد كعادة أهل الكويت دولة وشعبا في العمل دون ضجيج لأن المهم هو خدمة الانسانية وأين ما وجد الانسان، هذا الصندوق هو صندوق مالي تأسس في الكويت في 31 ديسمبر 1961 لتوفير وإدارة المساعدات المالية والتقنية للدول النامية وعبر هذه المسيرة الطويلة من دعم التنمية الاقتصادية قدم انموذجا حيا في دعم وانشاء ونجاح آلاف المشاريع التي ارتقت بالمجتمعات التي نفذت فيها، وقد كان للقارة الافريقية النصيب الكبير من اهتمام الصندوق الكويتي بالتمويل الكافي للمشاريع، ويعتبر هذا الصندوق من أهم المؤسسات التمويلية في العالم العربي لمؤسسة مالية كويتية متميزة تمثل عنوانا بارزا من انجازات الشعب الكويتي.

جامعة الكويت والمعهد العالي للفنون المسرحية

لدولة الكويت العزيزة عديد من الصروح الاكاديمية والعلمية والفنية التي اسهمت بقدر كبير في إعداد الكوادر العربية والخليجية الذين أسهموا بشكل مباشر في تطور الحياة في المنطقة، وقد سبقت (جامعة الكويت) في انشائها الكثير من الجامعات في الخليج والعالم العربي فقد أسست في اكتوبر عام 1966م، كما لعبت دورا كبيرا في نشر العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والعلوم التطبيقية، وتعزيز التعاون الدولي، أعرف الكثير من الشخصيات البارزة في دول الخليج تخرجت في هذه الجامعة العريقة، ومن قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت تخرج الكثير من الدبلوماسيين والساسة والمسؤولين في الدول العربية والخليجية، ولهم بصمات واضحة في كل دول المنطقة، أيضا بذات القدر تشتهر الكويت بالمعهد العالي للفنون المسرحية وهو مؤسسة تعليمية فنية تربوية تهتم بالفن المسرحي تأسست في العام 1973م، تخرج فيها المئات من الفنانيين والمبدعيين والنقاد الذين أثروا الساحة الخليجية والعربية بجميل ابداعاتهم.

إذن دولة الكويت الشقيقة عريقة بكل ما يحمل معنى العراقة، وأن شعبها العزيز لديه الكثير من الفضائل على الأمة وهو شعب كريم وجواد يشعر بمعاناة الآخرين، وان الغالبية منهم أهل ثقافة ومعرفة وعراقة في الأدب والعلوم المختلفة وفي سائر مناحي الحياة لهم باع طويل وسمعة رائجة ودبلوماسية عريقة لها تأثيرها الواضح في الساحة كما ذكرت، وبأي حال من الأحوال أن وسائل التواصل الاجتماعي بعيدة كل البُعد عن هذه العراقة لأنها أسست من أجل الكسب المادي وليس بهدف نشر المعرفة الحقة بين القراء من أجل احداث عملية التطور في سائر المجالات..حفظ الله دولة الكويت العزيزة قيادة وشعبا.. وكل عام والجميع بخير..

khssen@gmail.com