الرئيسية / أخبار / تسلّم البحرين رئاسة الجمعية الآسيوية البرلمانية: خطوة جديدة في مسيرة الدبلوماسية البرلمانية البحرينية

تسلّم البحرين رئاسة الجمعية الآسيوية البرلمانية: خطوة جديدة في مسيرة الدبلوماسية البرلمانية البحرينية

تقرير البحرين/خالد أبوأحمد/ منذ بدايات مشروع الإصلاح الوطني الذي أطلقه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم أولت البحرين أهمية قصوى لبناء مؤسسات دستورية قوية قادرة على تمثيل صوت المواطن، وفي الوقت ذاته نقل صورة البحرين المشرقة إلى العالم، فمجلس النواب ومجلس الشورى لم يعودا مؤسستين داخليتين فحسب، بل أصبحا جناحين أساسيين في الدبلوماسية البرلمانية البحرينية التي تشكّلت عبر سنوات من المشاركة المتواصلة في أهم المحافل الدولية والإقليمية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي (IPU)، الاتحاد البرلماني العربي، والجمعية البرلمانية الآسيوية (APA)، فضلًا عن اللجان البرلمانية الخليجية المشتركة.

وقد أثبتت الشعبة البرلمانية البحرينية خلال العقدين الماضيين قدرة استثنائية على بناء تحالفات إقليمية ودولية متينة، وإطلاق مبادرات تشريعية وإنسانية ذات بُعد عالمي فمن (جنيف) إلى (كيغالي)، ومن (أنقرة) إلى (أبوظبي)، كان حضور الوفود البحرينية ثابتا، قويا، ومتزنا، يعكس التزام البحرين بمبادئ القانون الدولي، والدفاع عن القضايا العادلة، وتعزيز مفاهيم السلم الأهلي، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة.

المؤسسة التشريعية كمنصة للدبلوماسية الحديثة

لقد أصبحت المؤسسة التشريعية البحرينية ممثلة في مجلسي النواب والشورى مرآة تعكس النضج السياسي والدستوري لمملكة البحرين، وسفيرا دائما لسياساتها في المحافل الدولية فكل زيارة، وكل خطاب، وكل مداخلة في المؤتمرات البرلمانية الكبرى تمثل وجهًا من وجوه البحرين الدبلوماسية، وتضيف إلى رصيدها من المصداقية والاحترام الدولي.

واللافت أن البحرين استطاعت أن تُوظّف البرلمان كأداة تكميلية للسياسة الخارجية، في انسجامٍ تام مع وزارة الخارجية والمؤسسات التنفيذية الأخرى، بما يُعرف بـ”الدبلوماسية الموازية”، أو القوة البرلمانية الناعمة وهذه السياسة جعلت صوت البحرين مسموعًا في المنظمات متعددة الأطراف، حيث استطاعت أن توازن بين مواقفها الوطنية الثابتة، وانفتاحها على الشراكات الاقتصادية والسياسية العالمية.

الدبلوماسية العامة البحرينية: مدرسة محمد بن مبارك آل خليفة

لا يمكن الحديث عن حضور البحرين الدولي دون التوقف بإجلال عند مدرسة سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة متعه الله بالصحة والعافية الذي أسّس خلال عقود طويلة لبنية دبلوماسية بحرينية متينة، تقوم على الاحترام المتبادل، والعقلانية في الطرح، والإيمان بالحوار كأداةٍ لحلّ الخلافات.

لقد كان سمو الشيخ محمد بن مبارك رائد فكرة (الدبلوماسية العامة) قبل أن تُصبح مصطلحًا متداولًا في أدبيات السياسة الحديثة، فقد أدرك مبكرًا أن صوت البحرين لا يجب أن يقتصر على البيانات الرسمية، بل يجب أن يُعبّر عن روح المجتمع وثقافته وتسامحه، ومن خلال وزارة الخارجية في عهده تحوّلت البحرين إلى نموذج للدولة الصغيرة المؤثرة، التي تحاور الكبار بثقة، وتكسب احترام العالم بسياسة الهدوء والواقعية.

تلك المدرسة التي أرساها سموه، واصلها باقتدار معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة الذي أعاد تعريف الدور البحريني في السياسة الخارجية الحديثة. فخلال سنواته في وزارة الخارجية ثم مستشارا لجلالة الملك للشؤون الدبلوماسية، وضع الشيخ خالد أسس ما يمكن تسميته بـ”الجيل الثاني من الدبلوماسية البحرينية”، القائمة على المبادرة وعلى الشراكة لا الاصطفاف،  وبفضل رؤيته توسّعت شبكة علاقات البحرين الإقليمية والدولية، وتعزز حضورها في ملفات الحوار بين الأديان، ومكافحة التطرف، وحقوق الإنسان، والدبلوماسية الاقتصادية.

البحرين والاقتصاد الدبلوماسي

على الصعيد الاقتصادي ارتبط الحضور الدولي البحريني ارتباطًا وثيقًا بالعمل البرلماني والدبلوماسي. فالتشريعات التي أُقرت في البرلمان كانت سندًا مباشرًا لجذب الاستثمارات وتطوير بيئة الأعمال. كما أن الوفود البرلمانية البحرينية لعبت أدوارًا مهمة في عقد اتفاقيات تفاهم ومذكرات تعاون مع برلمانات آسيوية وأوروبية وأفريقية، فتحت أبوابًا جديدة أمام الشراكات الاقتصادية والابتكار والتكنولوجيا.

ويُحسب للبحرين أنها أدركت باكرًا أن الاقتصاد جزء من منظومة السياسة الخارجية، وأن استقرار الأسواق والتمويل والاستثمار يحتاج إلى بيئة تشريعية مرنة وموقف دبلوماسي منفتح، ومن هنا، تداخلت الدبلوماسية البرلمانية مع الدبلوماسية الاقتصادية، لتقدّم البحرين نفسها نموذجًا للدولة الخليجية التي تجمع بين الواقعية السياسية والانفتاح الاقتصادي.

منجزات الحضور البحريني في الساحة الدولية

لقد أصبح للبحرين اليوم مقعد ثابت في كبرى المحافل البرلمانية والدبلوماسية. فممثلوها يُشاركون بفاعلية في صياغة القرارات الدولية، ويقودون اللجان المتخصصة في قضايا الأمن والسلام والمناخ وحقوق المرأة والطفل. كما أن البحرين أضحت مركزًا معترفًا به للحوار الإنساني والتعايش بين الأديان والثقافات، بفضل الجهود التي تقودها مؤسسات مثل مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي وجائزة الملك حمد للحوار بين الأديان، اللتين أصبحتا جزءًا من صورة البحرين في الخارج.

إن تسلّم البحرين رئاسة الجمعية الآسيوية البرلمانية اليوم هو تتويج طبيعي لهذا المسار الطويل من العمل البرلماني والدبلوماسي المتكامل وتأكيد على أن البحرين باتت تُمارس دورها كفاعل إقليمي مؤثر، يُعبّر عن رؤى الخليج وآسيا في المنتديات الدولية، ويُدافع عن قيم السلام والاستقرار والتعاون.

بهذا الزخم البرلماني والدبلوماسي، ترسّخ البحرين مكانتها الكبيرة تمتلك من الحِكمة والحِنكة السياسية والتجربة المؤسسية ما يجعلها شريكًا موثوقًا في الحوار الإقليمي والعالمي.

وإذا كان الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة قد وضع الأساس المتين، والشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قد طوّر أدواته لتواكب التحولات العالمية، فإن الجيل الحالي من البرلمانيين والدبلوماسيين البحرينيين يواصل اليوم هذا الإرث بروحٍ جديدة تعانق المستقبل.

إنها البحرين التي تتحدث للعالم بعقلها لا بعاطفتها، وبقيمها لا بشعاراتها، وبثباتها لا بانفعالها لتظل عنوانًا للدبلوماسية العاقلة، والبرلمانية الفاعلة، والاقتصاد المنفتح.