على مدار سنوات كمدربة فن لتعديل الانماط السلوكيه ثم استشارية استراتجيات تعبير فني شهدت كيف يمكن للإبداع أن يكون أداة فعالة في التخفيف من الاضطرابات النفسية وتعزيز التوازن العاطفي، الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو لغة تواصل عميقة تتجاوز الكلمات، تصل إلى أعماق المشاعر وتسهم في إعادة تشكيل الإدراك الذاتي والقدرة على التكيف مع الحياة. لطالما كان الفن مرآة للروح، ويمكن استخدامه لمعالجة الاكتئاب، القلق، اضطرابات ما بعد الصدمة، وحتى التحديات السلوكية لدى الأطفال والبالغين.
من بين الأساليب التي أعتمدها، استخدام الرسم والتلوين لإخراج المشاعر المكبوتة، والموسيقى لتحفيز مناطق معينة في الدماغ، والكتابة الإبداعية كأداة لتنظيم الأفكار، الألوان تلعب دوراً مهماً في العلاج، فالأزرق يمنح شعوراً بالهدوء، بينما الأصفر يعزز التفاؤل، والأحمر يثير الحماس والطاقة. حتى الكلمات التي نسمعها أو نقولها لأنفسنا تؤثر علينا كما تؤثر ضربات الموسيقى على إيقاع نبضات القلب. الدراسات أثبتت أن الموسيقى الكلاسيكية، على سبيل المثال، تقلل من التوتر وتحسن المزاج، بينما الأصوات الحادة والمزعجة قد تزيد من القلق.
في إحدى الجلسات تعاملت مع طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات، كانت تعاني من العناد الشديد وصعوبة تقبل الأوامر بدلاً من مواجهة سلوكها مباشرة، استخدمت استراتيجية (التوجيه غير المباشر) حيث طلبت منها رسم قصص مصورة تعبر عن حياتها اليومية عبر الرسم، بدأت تتحدث عن مشاعرها تجاه والديها، وظهر أنها تشعر بعدم التقدير، من خلال إعادة تمثيل قصصها برسومات أكثر إيجابية، بدأت تدرك أن سلوكها يمكن أن يتغير لتحصل على الاستجابة التي تريدها، استخدمنا أيضاً تمارين الطين لتساعدها على تفريغ غضبها بطريقة صحية، ومع الوقت، أصبح سلوكها أكثر مرونة وتجاوبًا.
أما في حالة أخرى، تعاملت مع سيدة في منتصف الثلاثينات كانت قد مرت بتجربة طلاق صعبة أثرت على ثقتها بنفسها وشعورها بالأمان، استخدمت معها استراتيجية (إعادة بناء الهوية) حيث طلبت منها إنشاء كولاج يمثل مراحل حياتها، مع التركيز على الأشياء التي كانت تحبها قبل الزواج. استخدمنا أيضاً جلسات الرسم بالألوان المائية لمساعدتها على التحرر من المشاعر السلبية، حيث كانت تفرغ مشاعرها بالغمر في الألوان ومزجها بحرية بعد عدة جلسات، لاحظت تغيرًا واضحًا في طريقة تعبيرها عن نفسها، إذ بدأت تتحدث بإيجابية أكثر عن المستقبل، وأصبحت قادرة على رؤية ذاتها بشكل مستقل بعيدًا عن التجربة الماضية، هذه الاستراتجيات لابد أن تكون مبنية على علم و تدرج قد تؤدي إلى المزيد من التوتر و القلق، ومن هنا أقول أن الفن ليس مجرد ترفيه بل هو وسيلة لإعادة التوازن النفسي والعاطفي، من خلاله يمكننا معالجة الجروح العاطفية، تقبل التغيير، والتحرر من القيود الداخلية التي تعيقنا في كل جلسة، أرى كيف يمكن لضربة فرشاة، كلمة محفزة، أو نغمة موسيقية أن تفتح نافذة نحو الرضا والتحول الإيجابي.