الرئيسية / أخبار / المثقف الأخرس..!! بقلم منى الروبي
منى الروبي

المثقف الأخرس..!! بقلم منى الروبي

لطالما استُخدم الفن في الحروب كسلاح ناعم بفعالية تفوق السلاح التقليدي أحياناً، فهو قادر على تحريك الجماهير، وتوجيه العقول، والتلاعب بالمشاعر (حنظله) لناجي العلي ؛ رقصه النصر، وخلال الثورة الثقافية في الصين (1966–1976)، وظّفت الدولة الملصقات الجدارية – كوسيلة دعائية ضخمة – لنشر فكر الزعيم ماو تسي تونغ، استخدم فنانون مثل هي كونغ (He Kong) أساليب واقعية بطولية لإظهار العدو كوحش والزعيم كبطل، مما شحذ عزيمة الشعب، وأشعل العنف ضد “أعداء الثورة”.

في أمريكا، خلال الحرب العالمية الثانية، ظهر ملصق “We Can Do It!” عام 1943 من تصميم ج. هوارد ميلر، ليصبح أيقونة للحشد الوطني، صُوّرت المرأة كقوية وقادرة على حمل آلة الحرب الصناعية، في خطوة تاريخية دفعت ملايين النساء نحو سوق العمل، الفن لم يُستخدم للتوثيق فحسب، بل للتحفيز والتغيير الاجتماعي.

وعلى الجانب الآخر، عانت حرية الفن والمبدعين في فترات الاستبداد، الفنان الألماني جون هارتفيلد (John Heartfield)، الذي استخدم الكولاج لانتقاد النازية، طُرد من ألمانيا وهرب إلى تشيكوسلوفاكيا، الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا مُنعت من النشر لعقود، وسُجن ابنها بتهمة ملفقة بسبب أشعارها “غير الوطنية”، أما الكاتبة نسرين ستوده، فسُجنت بسبب دفاعها العلني عن حرية التعبير وحقوق المرأة.

هؤلاء الفنانون لم يُسجنوا لأنهم حملوا سلاحاً، بل لأنهم حملوا أفكاراً، والفنان الحقيقي هو بالضرورة صوتٌ عالٍ، متمرد، مشاكس وعندما يرتفع هذا الصوت ليقول “لا”، تجد من يطالبه بخفضه، لا لأنه مخطئ، بل لأن صوته يوقظ النيام، ويحرك المياه الراكدة.

الحروب لم تكتفِ بإسكات الأصوات، بل دمرت أيضا آثارا تحمل ذاكرة شعوب، متحف العراق الوطني نُهب عام 2003، وضاع أكثر من 15 ألف قطعة أثرية، في تدمر السورية فجّر  مسرحا رومانيا عمره أكثر من 2000 عام، وفي سراييفو، أُحرقت مكتبتها الوطنية عام 1992، وضاع معها أكثر من مليون كتاب ومخطوطة، آثار السودان التي تحمل أصل الحضارة الكيميتية والكوشية، وذلك النيزك العظيم كله قد سُرق ويعرض في دول يعلم العالم ان ما بها مسروق.

الفن يُرعب السلطات لأنه لا يموت،إنه مرآة الوعي الجمعي، وأرشيف الوجدان الإنساني، لذلك كان وسيبقى، خطراً على كل نظام يريد أن يسكت الحقيقة.