منذ القدم تنبأ الحُكماء بأن الإنسان سيتجاوز حدود اليابسة وينتقل ليستوطن المسطحات المائية، وأنه سيأتي يوم يصبح فيه السكن في البحر والتنقل عبره أمرًا طبيعيًا، واليوم وبعد التطور الهائل الذي نشهده، أجد نفسي أؤكد أن هذا الأمر ليس بعيدًا، بل سيحدث قريبًا.
لقد درست العديد من الظواهر وراقبت التطورات الحديثة، فرأيت كيف أصبحت سفن الكروز أشبه بمدن عائمة تجوب مياه العالم، مجهزة بالقطارات والسيارات والمرافق كافة، وكيف وصل مستوى بعض السفن من حيث السرعة إلى ما يشبه الطائرات. بل إن الطيران نفسه بات يحط ويقلع من المسطحات المائية كالأنهار والبحار، وفي المقابل نرى دولًا عديدة توسعت داخل البحر ببناء مُدن وقُرى ومنتجعات من خلال الدفان البحري، مستخدمة أفكارًا عبقرية غير مسبوقة.
خذ مثلًا: هولندا، التي يشكل الدفان البحري 60% من مساحتها، أو البحرين التي عرفت هذا النوع من التوسع أيضًا، هذه التجارب تؤكد أن الانتقال نحو البحر ممكن وقابل للتحقق.
المستقبل إذن سيشهد تسجيل مساحات واسعة داخل المحيطات لتُقام عليها دول ومدن جديدة، وتُبنى حضارات وتُستخرج ثروات كامنة في باطن البحار، إضافة إلى الثروة السمكية الهائلة. وهنالك أنظمة تقنية تسمح اليوم بمسح أي مساحة داخل المسطحات المائية، وربطها بالملاحة الجوية والبحرية بحيث تظهر مواقعها وأسماؤها عند العبور، ما يفتح الباب لحجز مساحات شاسعة قد تضاهي مساحات دول بأكملها.
صحيح أن قانون البحار الدولي يمنع التملك، لكنه يسمح بالمسح بحجة الحفاظ على البيئة، ومع ذلك من المتوقع أن يتغير هذا القانون أو يُتجاوز في المستقبل، خاصة وأن هناك دولًا تستفيد بالفعل من ثروات البحار بدرجة أكبر من غيرها، سواء عبر الصيد أو التنقيب عن المعادن والغاز والبترول بينما نحن العرب ما زلنا في غفوة كبرى، وعليه يجب أن نسرع إلى حجز مساحات لنا تفوق مساحة أراضينا الحالية، حمايةً لمستقبل الأجيال القادمة.
ولا تسألوني: كيف سنصل إليها ونقيم فيها؟ أقول ببساطة إن التطور في وسائل النقل بات يجعل الوصول إلى أبعد نقطة في الكرة الأرضية أمرا ممكنا خلال ساعات قليلة فقط، وإذا تطورت تقنيات بناء الموائل البحرية، فإن الإقامة داخل المحيطات ستصبح حقيقة واقعة، بل وسهلة المنال.
لهذا أقترح – من باب المبادرة والخيال الاستشرافي – أن نحجز مساحة قدرها عشرة ملايين كيلومتر مربع تحت اسم (البحرين2 ) لتكون ملكية فكرية تذكرنا الأجيال القادمة بفضلها إذا قمنا بها اليوم، ولتلعن تقاعسنا إذا تركنا غيرنا يسبقنا إليها.
ولكي ندرك حجم الفرصة: مساحة اليابسة على كوكب الأرض لا تتجاوز 29.2% أي نحو 149 مليون كيلومتر مربع، بينما تشكل المسطحات المائية 70.8% أي أكثر من 361 مليون كيلومتر مربع، وكلها مناطق غير مأهولة بالبشر، إنها مساحات شاسعة ما زالت تنتظر من يستكشفها ويحوّلها إلى مدن ومجتمعات نابضة بالحياة.
إنني أطرح هذه الفكرة للنقاش والتأمل والتحليل، وأتمنى ممن يملك إضافة أو رؤية أن يشاركنا بها، فربما نكون اليوم نحلم، لكن أحلام الأمس صارت حقائق اليوم، وأحلام اليوم قد تكون واقع الغد.