الرئيسية / أخبار / ماذا يعني دعوة جلالة الملك لمؤتمر دولي للسلام..؟ بقلم/ خالد أبوأحمد

ماذا يعني دعوة جلالة الملك لمؤتمر دولي للسلام..؟ بقلم/ خالد أبوأحمد

إن دعوة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تدعمه الأمم المتحدة تعتبر واحدة من أهم نتائج قمة قادة الدول العربية الـ (33) التي انعقدت بالمنامة مؤخرا، الدعوة حازت على اهتمام كبير من أجهزة الإعلام العربية والعالمية باعتبار أن الدعوة جاءت في وقت والعالم يئن من الحروب والاقتتال والنزوح والتشرد،  وفي هذا السياق هناك عدة أسئلة تفرض نفسها على المُهتمين وعلى الكُتاب المُحللين..مثلا:

  • ماهي الحاجة لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط..؟.
  • ماذا يعني دعوة جلالة الملك لعقد هذا المؤتمر..؟.
  • ولماذا جاءت دعوة عقد المؤتمر الدولي للسلام من ملك البحرين تحديدا..؟.
  • هل البحرين مؤهلة للعب دور في صناعة السلام والأمن الدوليين .؟.

كل هذه الأسئلة تفرض نفسها بقوة على الجميع وليس على الكاتب فحسب، إذن فليسمح لي القارئ الكريم بالإجابة على الأسئلة المطروحة.

  • الحاجة الماسة للمؤتمر الدولي للسلام

بطبيعة الحال هناك حاجة ماسة جدا لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط والعالم أحوج من أي وقت مضى من أجل وقف الحروب ومن ثم الوصول إلى تفاهمات تجنب أراقة المزيد من الدماء وتعطيل الحياة والحروب هي ( الحرب الروسية الأوكرانية- الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة- الحرب المنسية في السودان- المهددات الأمنية في البحر الأحمر).

هذه الحروب انتهكت قوى البشر وقتلت الآلاف منهم ومن يُعول عليهم في المستقبل وقد عايشنا الآثار الكارثية لهذه الحروب على الإنسان وما خلفته من دمار وأدت إلى نزوح السكان وتشريدهم وفقدت الأسر منازلها وممتلكاتها،  وفجأة وجدوا أنفسهم في حاجة إلى اللجوء والمساعدة الإنسانية الضرورية، هذا فضلا عن الأضرار الاقتصادية للحروب في دمار البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، ما يعني ان هناك بالفعل حاجة ماسة جدا لهذا المؤتمر الذي دعا إليه جلالة الملك، ووجد تجاوبا كبيرا خاصة من روسيا روسيا والصين.

  • الدعوة للمؤتمر تعتبر نداء استغاثة عاجل

من هنا تأتي أهمية دعوة جلالة الملك لعقد المؤتمر الدولي للسلام لخلق واقع جديد يسوده الأمن والاستقرار والتسامح والتعايش السلمي، واصلاح ما دمرته الحرب، فإذا نظرنا لكل الحروب المستمرة حاليا والمهددات الأمنية نجد أننا أمام أهدار موارد هائلة وضخمة جدا كان بالامكان توفيرها للسلم والأمن والارتقاء بالانسان وتقدمه وتطوره حتى يعيش بكرامة، إن دعوة جلالة الملك لهذا المؤتمر الدولي يعتبر نداء استغاثة عاجل لوقف الاقتتال اليومي سواء في الأراضي الفلسطينية أو في المدن السودانية، حتى أن المهدد الأمني في البحر الأحمر يؤثر بشكل أو آخر على الاقتصادي العالمي الذي نحن في الشرق الأوسط جزء مهم من منظومته البشرية والجغرافية بالتالي ينعكس مباشرة على اقتصادياتنا، أيضا الحرب الروسية الاوكرانية نعم هي تدور رحاها خارج منطقتنا لكنها تؤثر في أمننا الاستراتيجية و الغذائي بشكل أو آخر، لذلك فالمؤتمر الدولي للسلام يمكن أن يصل لحلول  لهذه النزاعات جميعها.

* إذا جاء السؤال..لماذا جاءت دعوة عقد المؤتمر الدولي للسلام من ملك البحرين تحديدا..؟، أعتقد أن الملك حمد يدرك بأن الحروب نهايتها خُسران مبين، تاريخيا الحروب لم تتوقف إلا بالجلوس لطاولة المفاوضات أو انتصار طرف على الآخر انتصارا حاسما، إن جلالة الملك حمد يشعر دائما بأن على عاتقه مسؤولية كبيرة ورسالة عظيمة تعنى بخلق واقع جديد في العالم يقوم على إزالة كل أسباب الخلافات والنزاعات، وتشكيل قناعات جديدة على أسس موضوعية انسانية للعيش المشترك (التعايش السلمي) وجلالة الملك له في ذلك مرجعية بل تجربة عمرها مئات السنين بل قل آلاف السنين بمملكة البحرين على أرض الواقع، وفي المقال الذي كتبه جلالة الملك في العاشر من أكتوبر 2017م بصحيفة (واشنطن تايمز) بعنوان (البحرين أقوى بسبب تنوعنا)..قال الملك حمد:

“إننا في مملكة البحرين ترعرعنا منذ قرون متعايشين مع كل المعتقدات والثقافات والأعراق المحيطة بنا مما جعل المجتمع البحريني مجتمعاً متعدد الثقافات والمعتقدات، كما أدركنا أن هذه التعددية هي المسلك الطبيعي لمسيرة حياتنا في مملكة البحرين، لقد أرسى أسلافنا في مملكة البحرين أرث بناء الكنائس والدور والمعابد جنباً إلى جنب مع المساجد، وأقروا بالشعائر والطقوس الدينية الخاصة بالآخرين، لذا ظللنا جميعاً نتمتع بهذا التعايش السلمي الذي تجسده روح الاحترام والحب المتبادلين، كما أننا نؤمن بأن من واجبنا مشاركة هذه الروح مع العالم، وذلك انطلاقاً من ادراكنا بأن  (الجهل هو عدو السلام)، و(أن الايمان الصادق يضيء طريقنا إلى سبل السلام)”.

(إعلان مملكة البحرين)

في العام 2017 أنشئ الملك حمد (إعلان مملكة البحرين) الداعي للتسامح الديني والتعايش السلمي في كافة انحاء المعمورة حيث تم تدشين وثيقة (إعلان مملكة البحرين) للحوار بين الأديان والتعايش بمدينة لوس انجلوس الامريكية، وفي العام 2018 تم انشاء ‏‏‏(مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي)، وفي ذات العام تم تخصيص (كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي) في ‏‏جامعة لاسابينزا الإيطالية في روما، وفي سياق جهود جلالة الملك لترسيخ قيم التعايش السلمي والتسامح تم إطلاق برنامج (الملك حمد للإيمان – في القيادة) بالتعاون مع جامعتي أوكسفورد وكامبريدج ببريطانيا، وبعدها جاء تأسيس برنامج (مركز الملك حمد للسلام السيبراني لتعزيز التسامح والتعايش بين الشباب) في مدينة نيويورك، وبعد جهود فكرية وعلمية على نطاق واسع من العمل في هذا المجال الحيوي تم إطلاق (وسام الملك حمد للتعايش السلمي) عام 2021م.

في نوفمبر 2022م جاءت زيارة قداسة بابا الفاتيكان، وفضيلة شيخ الأزهر إلى البحرين بدعوة من جلالة الملك مرحلة جديدة في سياق ترسيخ هذه القيم النبيلة وفي أثناء هذه الزيارة وتحت رعاية جلالة الملك تم عقد ملتقى البحرين للحوار (الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني) في دورته الأولى2022م، وفي سياقها جاء الإعلان عن إنشاء (جائزة الملك حمد الدولية للحوار والتعايش السلمي) 2022م، وفي العام الماضي تم تدشين (إعلان مملكة البحرين) حول مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي بجمهورية مصر العربية ابريل 2023م.

  • الملك حمد.. تحولات كبرى

إن الصحفي المراقب والراصد لما يدور في البحرين يدرك بحسه المهني أن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه قد بذل جهودا كبيرة منذ توليه مقاليد الحُكم وحتى تاريخ اليوم في ترجمة افكاره النيّرة إلى واقع معاش جعل البحرين واحة ليس للأمن والسلام فقط بل قبلة عالمية للتعايش بين مختلف الأديان والطوائف والمذاهب، وان الانجازات الكثيرة التي تحققت في مسيرته الاصلاحية المباركة لفتت الانظار لما تمتع به البحرين من تطور وتقدم يستفيد منه جميع الذين يعيشون على هذه الأرض.

إن نهج الملك حمد في ترسيخ قيم التعايش والتسامح قد اجتذب الكثير من الخُبراء والعُلماء في العديد من بلاد العالم وأصبحوا الآن عاملين بفكرهم وعلمهم الغزير في تعميق التعايش بين البشر من خلال المناهج العلمية والأكاديمية، إن الذي يتابع جهود مركز الملك حمد العالمي للتعايش منذ تأسيسه وحتى الآن وما أقامه من فعاليات في الدول الأوربية والغربية والعربية يجد نفسه أمام تحولات كبرى يقوم بها جلالة الملك في سعيه الدؤوب لجعل التعايش السلمي واقعا معاشا في جميع بلاد العالم، ولا استدل هنا إلا بما قاله البروفيسور أليساندرو ساجيورو “إن اختيار مملكة البحرين جامعة سابيانزا لاحتضان كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي حمّل الجامعة مسوؤلية كبيرة لنشر رسالة السلام التي ينبغي أن تكون أساس العلاقات الدولية”، مضيفا “إن الحوار بين الأديان والتعايش أصبح أمر أساسي لضمان الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغدا عنصراً هاماً للحد من الحروب والكراهية والصراعات من خلال نشر التعددية الثقافية”.

  • دور ريادي للبحرين عالميا

بطبيعة الحال مملكة البحرين مؤهلة للعب الدور المهم في صناعة السلام والأمن الدوليين في المنطقة والعالم بما لديها من عمق حضاري ومن قيادة حكيمة، إذ أن البحرين تزخر بدبلوماسية عريقة وتحظى بالدعم المستمر من جلالة الملك وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء  الأمر الذي مكّن  السياسة الخارجية لمملكة البحرين أن تنتهج  نموذجا فريدا تتطلع إليه الكثير من الدول والشعوب، يقوم على أسس الاعتدال والتوازن، في ظل النهج الإصلاحي الذي جعل مملكة البحرين دولة عصرية ينبع منها الرخاء وتصدر منها رسائل السلام والتعايش بين الجميع طيلة الخمس العشرين عاما زادت من رصيد مكانتها الرفيعة ورسخت سمعتها الطيبة بين مصاف الأمم، إنّ سياسة البحرين الخارجية بثوابتها الراسخة ومعالمها الواضحة ودورها النشط وجهودها الفاعلة، تعمل بجهد كبير في تعزيز علاقات المملكة وتعاونها مع الأشقاء، وتقوية علاقاتها مع الحُلفاء والإسهام في وضع حلول للعديد من الأزمات، وقد حققت الدبلوماسية البحرينية انجازات كبيرة بمعنى الكلمة جلعت اسم البحرين يتردد في كل المحافل الدولية والاقليمية جعلتها في مقع الريادة.

كذلك تزخر بتجارب ثرة في اقامة الفعاليات العالمية، وكذلك دور كبير ومتعاظم في صناعة الحياة مع العالم المتقدم وهذا ما يؤكد الوجود الواسع للمملكة في كافة الأنشطة العالمية والمنظمات الدولية ذات الطبيعة السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية وحتى الرياضية.. على سبيل المثال: مملكة البحرين تحتضن المنظمة الدولية للفن الشعبي و يترأس المكتب الرئاسي للمنظمة الأستاذ الأديب المعروف علي عبدالله خليفة، كذلك تحتضن البحرين مقر المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، من نوعه في الشرق الأوسط، وتترأس مجلس إدارته معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رياضيا يترأس معالي الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وعضوية اللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) منذ 2 مايو 2013م، معالي الشيخ أحمد بن حمد آل خليفة رئيس الجمارك رئيسا لمجلس منظمة الجمارك العالمية قد فاز بهذا المنصب بتأييد أغلبية دول العالم.

من الناحية الأمنية والاستراتيجية فإن البحرين لاعب مهم جدا في التحالفات العسكرية الدولية، وخاصة في العمليات البحرية وتقوم البحرين بدور محوري في ضمان أمن الممرات البحرية الحيوية، ومكافحة القرصنة، وتنفيذ عمليات الإنقاذ، ومواجهة التهديدات التي تشكلها ميليشيات الحوثي على الممرات الدولية، وخاصة في البحر الأحمر، حيث تعتبر مشاركة البحرين في التحالفات البحرية الدولية حجر الزاوية في الجهود العالمية لمكافحة القرصنة وتساهم أيضاً في حماية التجارة البحرية الدولية.

الشاهد أن هذا الوجود الحضاري للبحرين في الساحة الدولية له تقديره الكبير  لقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم من شعوب العالم ومؤسساته الأممية، وأن الكفاءات البحرينية المنتشرة حول بلاد العالم يمثلون بلادهم خير تمثيل وينشرون فكر جلالة الملك في ترسيخ قيم المحبة والتلاقي الانساني والتعايش السلمي كُلُ من موقعه الوظيفي، الأمر الذي يؤكد بأن مملكة البحرين مؤهلة للعب دور في صناعة السلام والأمن الدوليين في المنطقة والعالم.

خلاصة القول أن دعوة جلالة ملك البحرين لمؤتمر دولي للسلام يعني تنبيه كل العالم بخطورة استمرار الحرب وما قد يجره ذلك من سيناريوهات صعب التكهن بما ستسفر عنه، وربما يودي التعنت للانفجار الكبير باتساع رقعة الحرب بين مؤيدي وداعمي الأطراف المتحاربة، إن دعوة جلالة الملك حمد لمؤتمر دولي للسلام يمثل ضرورة آنية لايجاد حلولا جذرية من شأنها توفر قدرا كبيرا من السلم والأمن في العالم قاطبة.