الرئيسية / أخبار / من اللوحة إلى المشهد: الفن بين الجدار والعين..! بقلم منى الروبي

من اللوحة إلى المشهد: الفن بين الجدار والعين..! بقلم منى الروبي

حين نسأل: لماذا نرسم؟ تختلف النوايا، لكن تبقى الريشة هي اللسان الذي لا يكذب، فهناك من يرسم لأن الرسم هو مهنته وتخصصه الجامعي، أو لأنه مصدر رزقه الوحيد، هؤلاء الفنانون يشبهون العمال في ورشة كونية اسمها (الفن)، عليهم أن يكونوا مسوقين لأنفسهم حتى وإن خمد الشغف في أعماقهم ينفذون الطلبات، يلتزمون بالمواعيد، يرضون الأذواق، ويعاملون اللوحة كما يُعامل الموظف ملفه اليومي: بإتقان وانضباط،  قد لا بدافع الحلم بل بدافع الحاجة.

ثم هناك فئة أخرى ترسم حبا في الأضواء، في وهج الشهرة وسحر التصفيق يهيمون بين المعارض والسفارات والمحافظات، يهدون لوحاتهم بلا مقابل، فقط ليُقال عنهم “كان هنا”، ليحظوا بصورة على جدار معرض أو خبر في صحيفة فنية، يرسمون ليُرى اسمهم قبل أن تُرى لوحتهم، فيتحول الفن إلى بطاقة تعريف أكثر منه حالة شعورية.

أما الفئة الثالثة فهي حكاية مختلفة، يرسمون لا لأنهم مبدعون، بل لأنهم يريدون أن يكونوا جزءًا من المشهد، ولو من أطرافه، يتقمصون أدوار التلاميذ المخلصين لأساتذة كبار، يرددون أسماء الرواد ويقتبسون جملهم، فقط ليُقال إنهم ينتمون إلى “عائلة الفن”، تراهم يتحدثون كثيرا عن الفن، لكن لوحاتهم تظل على السطح، بلا عمق ولا نبض حقيقي، ومع ذلك فهم يضيفون حركة للمشهد، لونًا آخر في لوحة الحياة الفنية، ظريفه خفيفة الظل.

وبحكم تخصصي أعلم أن الفن العلاجي حين يُمارس بحرفية و بصدق يمكن أن يكون فضاءا شافيا، فالمتخصص وحده يستطيع أن يقرأ من خلال الألوان أسرار النفس، ويكتشف كيف يعبّر المتعالج عن قلقه أو توازنه أو شغفه بدرجة واحدة من الأحمر أو الأزرق، اللون لا يكذب إنه اعترافٌ على سطح القماش.

ومن بين الجهات التي تستحق الإشادة في هذا المجال (اقامة المعارض الدولية) اقصد بذلك الدار العالمية لإقامة المعارض، تلك المؤسسة التي لا تكتفي بعرض  اللوحات بل تضيف عمقا سياحيا وثقافيا لتلك الفئات التي ذكرت، فهي تنسج شبكة من الملتقيات والرحلات الثقافية والتبادلات الفنية التي تربط بين الفنان كمحترف، والباحث عن الضوء، والحالم بالكينونة، وأنا فخورة بكوني إحدى محاضراتهم،  فقد قدمت ورقة بحثية حملت فلسفة اللون كجسرٍ بين الإنسان وذاته، وبين الفن والعلاج، كنت  أتابع رحلتهم بإعجاب خصيصا بعد معرضهم الميمون بالوطن الحبيب البحرين، فانا أؤيد منظورهم الذي يجعل من الفن حركة حياة، لا حدثا عابرا.

لأن الفن، في جوهره، ليس ما نُعلّقه على الجدران، بل حفزنا قبلها و ما يبقى فينا بعدها.

هو السؤال الذي لا ينام، والبحث الذي لا ينتهي، واللحظة التي تضيء بين الظل والضوء… حيث تتقاطع الروح مع الريشة، وتكتب الحياة نفسها على قماشٍ اسمه الإنسان.