تقرير البحرين/المنامة/ برعاية سعادة النائب الأستاذ عبد النبي سلمان النائب الأول لرئيس مجلس النواب أقامت جمعية مبادرات البحرين الأهلية بالتعاون مع جمعية الاجتماعيين البحرينية (ملتقى المرأة الريفية في البحرين الاول) الذي استضافت أعماله قاعة جمعية الاجتماعيين البحرينية بالرفاع بحضور نخبة من النواب ورئيسات الجمعيات النسائية والأهلية وفي مقدّمتهن السيدة أحلام رجب رئيسة الاتحاد النسائي البحريني، إضافةً إلى مشاركة خليجية تمثّلت في وجود الدكتورة معصومة عبد الرضا، نائبة رئيس جمعية (رحماء للمسنين) بالأحساء.
انطلقت الفعالية بكلمات ترحيبية من المنسق العام ورئيس اللحنة التنظيمية للملتقى الأستاذ محمد حسن العرادي مرحبا بالحضور والضيوف الكرام من المملكة العربية السعودية، ثم كلمة جمعية الاجتماعيين وجمعية مبادرات، تلاها الكلمة الرئيسية لراعي الملتقى، بعد ذلك إنتقل الحضور إلى طاولة الحوار التي خصِّصت لها ثلاثة محاور تفاعلية تناولت مسيرة المرأة في القرى البحرينية، وإشكالية المصطلح والتصنيف، والإطار القانوني وتجارب التمكين، وصولاً إلى شهادات حيّة تضيء على تحوّلات اجتماعية راسخة.
جاءت الجلسة الحوارية كثيفة بالذكريات والدلالات، افتُتح المحور الأول بورقة تستعيد “مسيرة وتأريخ المرأة الريفية” من الطين والحجر والبرستج إلى بيوت “السيقية” ونسائم المنامة، مرورًا بحادثة الحريق التي دفعت أهل المناطق الساحلية للانتقال إلى أحياء قريبة، وتحديدًا إلى البلاد القديم والخميس، كان الاستدعاء الوجداني للمشهد المعماري والاجتماعي مدخلًا لقراءة دور النساء في بناء المجال الحياتي البحريني بأدوات البيئة المحلية: الخوص، الصدف، الطين، وشطآن اللؤلؤ. ومن هذا الاستهلال العابق بذاكرة المكان.
انتقلت الكلمة إلى سعادة النائبة حنان فردان التي شدّدت على مسؤولية الحضور والمشاركة، وقالت أنها لم تقبل أن يبقى مقعدها خاليًا في فعالية تُعنى بالنساء، مؤكدةً اعتزازها بانتمائها القروي، ومبيّنةً أن المجتمعات المتماسكة تُبنى من القرى، وأن القرآن الكريم خاطب “أهل القرى” بوصفهم مجتمعات لا أفرادًا، في إشارة إلى أن القرية كانت دائمًا حاضنة للقيم والتكافل والمبادرة.
التحفظ على المصطلح
وعلى وقع سؤال بدايته عام 2025: “هل ما زالت هناك امرأة ريفية وامرأة حضرية؟”، قدّمت فردان مقاربة نقدية للمصطلح بوصفه “وصفًا مستوردًا” تجاوزه الواقع البحريني الراهن، إذ تلاشت الفوارق بين القرية والمدينة مع اتساع دائرة التمكين وتكافؤ الفرص ووصول المرأة إلى مواقع صناعة القرار، قالت إنّ “المرأة التي وُصفت يومًا بالريفية كانت رمزًا للثبات والمثابرة قبل أن تكون عنوانًا جغرافيًا”، وإنّ التحفّظ على المصطلح اليوم لا يُلغي الماضي بل يدعو إلى توثيقه وإبراز مخزون الوعي المتراكم الذي مهّد لنقلة نوعية في التعليم والعمل والمشاركة العامة.
وأشارت إلى أن كثيرًا من نساء القرى تجنّبن الظهور الإعلامي في فترات سابقة لدواعٍ أسرية واجتماعية، فغاب التوثيق وبقي العطاء، فيما تَصدّرَت أخرياتُ من المدن مشهد الرصد المحدود آنذاك، واستحضرت فردان صور “المطوعة” ومعلمة القرآن والداية والخياطة والمزارعة والملاية ورائدة العمل التطوعي، لتختم بأن الميدان اليوم واحدٌ: “ميدان العمل الوطني المشترك”، وأنّ “التمكين يُقاس بالمبادرة والانخراط لا بالمكان”.
وفي مداخلةٍ ذات نَفَسٍ اجتماعي توثيقي، قدّم الأستاذ زكريا إبراهيم الكاظم قراءةً وجدانية لدور الأمهات البحرينيات باعتبارهن “أعتى حصون المجتمع”؛ فالحياة يومها كانت شحيحة الموارد لكنها دافئة المشاعر، والمرأة كانت تدرك دورها على نحوٍ عميق. رسم الكاظم لوحةً لمشهد “الفزعة” النسائية: اجتماع الجارات لإعداد طعام ضيفٍ حلّ فجأةً، أو لتجهيز عروسٍ كي تشعر بعزتها في محيطها، أو لمؤازرة أسرةٍ في أيام العزاء، وهي التي كانت “تطمئن الزوج وترفع عنه القلق”، وتدير شؤون البيت والرعي والحليب، وتُشرف على إعداد المجالس في مواسم العبارات الدينية، واستعاد سيرة والدته “المرأة القروية بامتياز” التي علّمته من ذاكرةٍ حديدية وقلبٍ مُحب، وقادت في الثمانينيات قافلة حجاجٍ غالبيتهم من النساء وسط صعوبات الطرق وشُح الخدمات، قبل أن يختتم بصورةٍ دالّة عن أثر “الجدة البحرينية” في صون الصحة المجتمعية بعادات الرعاية والغذاء والوقاية المنزلية.
المرأة الريفية..مساهمة محورية في التنمية
وانتقل النقاش إلى الإطار التعريفي والقانوني مع الدكتورة هنادي عيسى الجودر، التي بدأت من تعريف الأمم المتحدة لـ”المرأة الريفية” باعتبارها من تعيش وتعمل في المناطق الريفية وتعتمد أسرتها على الموارد الطبيعية والزراعة، مع مساهمةٍ محوريةٍ في الأمن الغذائي والتنمية، وأوضحت أن كثيرًا من وظائف الرعاية والإنتاج المنزلي والحِرَف باتت مشتركة اليوم بين نساء القرى والمدن، لا سيما مع تبنّي الدولة برامج الأسر المنتجة. ومن زاوية التشريع، أشارت إلى أنّ دستور 1973 استخدم لفظ “المواطنين” بما يشمل المرأة وإن لم يُدخلها آنذاك في الممارسة السياسية، بينما فعّل دستور 2002 (تعديل 1973) ضمن مشروع الإصلاح ممارسة المرأة لحقوقها السياسية وأرسى مبدأي “المساواة” و”تكافؤ الفرص”، فاتحًا باب المشاركة في الشأن العام على قدم المساواة، وقدّمت الجودر نماذج تاريخية لنساءٍ أسهمن في الأمن الغذائي والعمل اليومي الصعب، مثل مريم بنت نَعيم اللاتي مارسن صيد السمك واستجلاب الماء من البحر، وموزة الحسن وعائشة الحسن في مهنٍ عُدّت رجالية، وأخرياتِ وفّرنَ الحليب ومنتجات الألبان والخياطة للحيّ بأكمله. خلصت إلى أنّ “كل امرأةٍ بحرينيةٍ—مدنيةً كانت أم من قرية—هي امرأةٌ حملت وظيفة الرعاية والإعالة والاقتصاد المنزلي”، وأنّ التسمية لا ينبغي أن تحجب جوهر الدور ولا استحقاق التوثيق.
معجزةٍ عائلية..!
ومن جانبها سجّلت المهندسة شيماء عيسى الوطني شهادةً شخصية عن أربع فتياتٍ “ريفيات” زاملتهنّ في الصف الأول بمدرسة سارة الابتدائية بجدحفص: سلوى، شكرية، عواطف، وفتحية، رغم امتلاكهن قدراتٍ عقلية واضحة ولسانٍ فصيح، بدت الهوة الاجتماعية قائمةً لاعتباراتٍ عائلية: أبٌ تباطأ في تسجيل ابنته لعدم اقتناعه بتعليم الفتيات، وآخر لم يسمح إلا بعد وفاة الجدّ ذي السلطة الأخلاقية في العائلة، وثالثةٌ يتيمة علّقت تسجيلها قضايا الإرث، ورابعةٌ دخلت المدرسة مع شقيقاتها دفعةً واحدة بعد “معجزةٍ” عائلية. قالت الوطني إنّ “الاختلاف لم يكن في القدرة بل في السياق”، وإنّ مجرد التحاقهن بالمدرسة كان “تحديًا بذاته” آنذاك، قبل أن تتلاشى تلك الحواجز تدريجيًا بفعل التعليم وتمكين البنات في العمق الاجتماعي للقرى وامتداداتها المدينية.
ثنائية (الريف/المدينة)
بهذا التنويع بين السرد التاريخي والتأمل الاجتماعي والنص التشريعي والشهادة الذاتية، رسمت الجلسة صورةً بانورامية للدور النسائي في القرى البحرينية: من البناء بالأدوات المحلية، إلى رعاية الاقتصاد المنزلي، إلى التعلّم والانخراط في المجال العام، ولم يَغِب عن النقاش سؤال المصطلح، إذ تعامل المتحدثون معه بحساسيةٍ نقدية تُميّز بين ضرورة التوثيق للماضي ووعي الحاضر الذي تجاوز ثنائية (الريف/المدينة) في مقاييس الإنجاز والمشاركة.
وكانت خلاصة الملتقى دعوةً صريحة إلى التوثيق المنهجي لسير النساء اللاتي شكّلن ذاكرة “الفزعة” والتكافل والإنتاج، وإدراج مروياتهن في المحتوى الثقافي والإعلامي والمناهج الدراسية، إلى جانب تعزيز برامج الدعم للمشروعات الصغيرة التي تقودها النساء في القرى وأحيائها، بما يعمّق العدالة الاجتماعية ويغذي أهداف التنمية المستدامة، كما أكد المنظمون أنّ النسخة المقبلة ستتوسع خليجيًا وتُخصّص جلساتٍ للبحث الميداني وجمع الشهادات الحيّة، على أن يبقى الشعار الراسخ: “من الريف تبدأ الحكاية”، حيث تُكتب ذاكرة الوطن بجهود نسائه في كل مكان.
وفي ختام الأمسية جرى تكريم عدد من الجمعيات النسائية تقديرًا لدورها، بينها الاتحاد النسائي البحريني، وجمعية فتاة الريف، وجمعية نهضة فتاة البحرين، وجمعية أوال النسائية، وجمعية المرأة البحرينية، وجمعية المرأة الدولية، ومركز (تفوق) للاستشارات، وقدّم رئيس جمعية الاجتماعيين شهادة تقديرية لراعي الحفل تقديرًا لمساندته المتواصلة لمبادرات المجتمع المدني، فيما تبادل الحضور شكرًا متبادلاً على الاستجابة السريعة التي حوّلت فكرة إلى منصةٍ حقيقيةٍ للحوار والاعتراف.