الرئيسية / أخبار / المغرب.. الفن والعراقة والبهاء الإنساني..بقلم مني الروبي

المغرب.. الفن والعراقة والبهاء الإنساني..بقلم مني الروبي

كانت رحلتي إلى المغرب تجربة ثقافية وفنية لا تُنسى، بدأت من قلب العاصمة الرباط حيث شاركت في معرض فني كبير على هامش فعالية فنية دولية، وقدّمت فيه عملًا فنيًا خاصًا بي، ثم ألقيت محاضرة عن العلاج بالفن (Art Therapy) بدعوة من المؤسسة العالمية Global Brush، واختُتم الحدث بوقوفي على خشبة مسرح الملك محمد الخامس إلى جانب أكثر من سبعين فنانًا من مختلف الدول، في أمسية احتفالية حملت الكثير من الفخر والإلهام. هذا المسرح العريق، الذي يُعد أحد أقدم وأهم الصروح الثقافية في المغرب، بُني في منتصف القرن العشرين وشهد على مدار تاريخه الطويل عروضًا لأعظم الفنانين والموسيقيين العرب والعالميين. يتميز المسرح بعمارته الأندلسية الراقية التي تمزج بين الأصالة والحداثة، وبقاعة رئيسية تُعد تحفة فنية في الصوت والإضاءة والديكور. الوقوف هناك، بين عبق التاريخ ووهج الفن، كان بالنسبة لي لحظة عميقة تُجسد التقاء الفن بالروح، والماضي بالحاضر.

تشتهر المغرب بتنوع فنونها الغنية التي تجمع بين العمق الأمازيغي، والرقي العربي، والتأثير الأندلسي. من الفسيفساء والزليج الفاسي، إلى النحت والنقش على الخشب والجلد والنحاس، تظهر الحرف المغربية كقصيدة تشكيلية تنبض بالحياة. لقد أثرت هذه الفنون بدورها على الأندلس في العصور الوسطى، فحملت معها الزخارف والأنماط الهندسية والألوان الدافئة التي أصبحت جزءًا من هوية العمارة والفن الأندلسي. يمكن القول إن المغرب كانت الجسر الذي عبرت من خلاله الجماليات الشرقية إلى أوروبا، فخلّدت بصمتها في قصر الحمراء وفي أزقة قرطبة وإشبيلية.

أما الرباط نفسها، فهي مدينة تُشبه معرضًا مفتوحًا للفن، نظيفة، هادئة، تتألق بألوانها المتناغمة بين البحر والسماء والحدائق. كل شارع فيها لوحة، وكل زاوية تنطق بالجمال. من بين أبرز الجاليريهات التي تستحق الزيارة: (غاليري باب الرواح)، الذي يعرض أعمال الفنانين المغاربة الكبار، و(غاليري نادور) المعاصر الذي يجمع بين الفن الحديث والتجريب، إضافة إلى الغاليري الوطني للفن الحديث والمعاصر، الذي يعكس تطور الحركة التشكيلية المغربية عبر العقود.

ومن المعالم التي لا تُنسى، (صومعة حسان) تلك المعجزة المعمارية التي تعود إلى القرن الثاني عشر، رغم أن بناءها لم يكتمل، إلا أنها تقف شامخة كرمز للهوية الإسلامية المغربية، بزخارفها الحجرية ونقوشها الهندسية الدقيقة. على مقربة منها، يبرز مبنى (زاهية الجديد) بتصميمه العصري الذي يجسد تلاقي التراث مع الحداثة، في إشارة إلى روح المغرب المتجددة.

ولا يمكن الحديث عن المغرب دون ذكر الجلود والأعشاب المغربية، فالجلود المصنوعة في فاس ومراكش تُعد من الأجود عالميًا، تمتاز برائحتها الطبيعية وصبغتها النباتية وألوانها الترابية المميزة، أما الأعشاب، فهي سر من أسرار الجمال المغربي، تُستخدم في الطب الطبيعي، والتجميل، والحمامات التقليدية التي تمنح الزائر إحساسًا بالصفاء والراحة.

هكذا تبقى المغرب بلدًا يُخاطب الحواس جميعها – بلد الفن، والعراقة، والبهاء الإنساني.