بدعوة كريمة من سعادة السيد عبدالنبي الشعلة رئيس مجلس إدارة مؤسسة البلاد الإعلامية، حرصت على حضور الجلسة الحوارية التي نظمتها الصحيفة حول “المسؤولية الاجتماعية للشركات.. من المبادرات إلى الاستدامة المؤسسية”، وقد اتفق المتحدثون على أن المسؤولية الاجتماعية لم تعد خيارًا جانبيًا أو ترفًا، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية المؤسسة وشرطًا من شروط استدامتها. وقُدمت في الجلسة أوراق قيّمة، منها الربط بين رأس المال البشري والمسؤولية الاجتماعية، ومنها الحديث عن البعد الرقمي الذي يفرض على الشركات التزامات جديدة في عصر التكنولوجيا، ومنها أيضًا عرض تجارب ناجحة في الشراكات المجتمعية، كما هو الحال في تجربة بنك التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
وحقيقة لابد لهذه الأطروحات أن تتجسد في قرار أو قناعة من رأس الهرم في الشركة أو المؤسسة، فالمبادرات السخية لا تولد إلا من خلال قناعة الإدارة العليا، والتي إما أن ترى في المسؤولية الاجتماعية التزامًا أصيلًا يترجم قيمها، أو تكتفي باعتبارها وسيلة دعائية موسمية، فنجد الكثير من الشركات والبنوك والمؤسسات الخاصة تحقق أرباحًا كبيرة ولكن لا تحرك ساكنًا في رد الجميل للمجتمع البحريني! ولعل تجربتي الطويلة جدا في مجال العلاقات العامة والإعلام، شاهدة على أن نجاح أية مبادرة اجتماعية يرتبط مباشرة بقرار القيادة العليا، فطوال فترة عملي كانت الشركة تقوم بمبادرات كثيرة وخلاقة في دعم مشاريع تخص البيئة والتعليم والصحة والرياضة والثقافة وغيرها، وكانت مثالا يحتذى في المسؤولية الاجتماعية وشهادتي هنا بالطبع مجروحة، ولابد من الإشارة هنا إلى أنه لولا قناعة ودعم الإدارة التنفيذية ممثلة في الرئيس التنفيذي لما تحققت تلك المكاسب للشركة والمجتمع على حد سواء.
في المقابل، ومن وجهة نظري الشخصية، فإنني أرى خللًا واضحًا في البيئة المحيطة بالمسؤولية الاجتماعية في بلدنا، أي التضخم غير المنطقي في أعداد الجمعيات الخيرية والأهلية. فبحسب الإحصاءات الرسمية بلغ عدد تلك الجمعيات 640 جمعية ومنظمة أهلية، في بلد صغير المساحة جغرافيا، فكيف يمكن للشركات والبنوك أن تلبي طلبات هذا الكم المهول من الجمعيات؟ وكيف يُنتظر من هذه الجمعيات أن تكون فاعلة ومؤثرة، في حين أن الكثير منها نائمة في العسل وليس لها أي نشاط يذكر! ناهيك عن أن بعضها تنظم غبقة رمضانية للأعضاء في احتفال تتم فيه دعوة الشركات والمؤسسات التي تدعمها بغرض تكريمها وإلقاء الخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بهدف الظهور الإعلامي، في حين أنها لم تقدم أي شيء خلال العام للمجتمع، والتي أصلًا تأسست لخدمته حسب نظامها الأساسي ورسالتها وقيمها ورؤيتها!
ومن ناحية أخرى، فإن التشتت في الطلبات يرهق ميزانية القطاع الخاص، ويبعثر الجهود والموارد، فلا تصب في مشاريع كبرى ذات أثر مجتمعي مستدام، بل تتوزع على مبادرات مشتتة أشبه بالمسكنات المؤقتة. وهنا تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بتأسيس الجمعيات، بحيث تُحدد المعايير بصرامة، ويُشترط وجود خطة عمل واضحة وأهداف قابلة للقياس ( Key performance indicators)، قبل منح الترخيص. شخصيا كتبت عن الموضوع نفسه عدة مرات ولكن لا حياة لمن تنادي! اتقوا الله، عليكم أن تضعوا مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، فوجودكم في هذه الجمعيات أمانة تحملونها لخدمة المجتمع المدني وليس بهدف تحقيق مصالح شخصية!
الخلاصة… المسؤولية الاجتماعية ليست شعارًا يزين التقارير السنوية، ولا نشاطًا موسميًّا لالتقاط الصور، بل التزام استراتيجي يتطلب وضوح رؤية من الشركات، وبيئة قانونية منظمة من الدولة، وجمعيات أهلية (فاعلة) تستحق الدعم. ما عدا ذلك، لن يكون سوى دوران في الحلقة المفرغة التي عانينا منها طويلًا.
والله من وراء القصد.
كاتب وإعلامي بحريني
عن صحيفة (البلاد) البحرينية