الرئيسية / أخبار / السياحة والضيافة.. صناعة واعدة..بقلم زهير توفيقي

السياحة والضيافة.. صناعة واعدة..بقلم زهير توفيقي

 قرار وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية إدراج مادة السياحة والضيافة في مناهج التعليم الثانوي ليس إضافة أكاديمية عابرة، بل هو انعكاس لرؤية استراتيجية عميقة تضع التعليم في صميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذه الخطوة تستحق التقدير والإشادة، لأنها تمثل استثمارًا مباشرًا في رأس المال البشري، وتؤكد أن بناء المستقبل يبدأ من المدرسة.

لقد أدركت الحكومة السعودية أن السياحة لم تعد قطاعًا ثانويًا أو نشاطًا ترفيهيًا، بل أصبحت أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ومحركًا أساسيًا لتنويع مصادر الدخل، ورافدًا مهمًا لفرص العمل. وفي ظل الطفرة الكبيرة التي شهدتها المملكة خلال السنوات الأخيرة من حيث الانفتاح السياحي وتنوع الفعاليات وإطلاق المشاريع العملاقة، بات من الضروري تهيئة جيل جديد من الكوادر الوطنية القادرة على قيادة هذا القطاع الحيوي.
فإدخال منهج متخصص في السياحة والضيافة يعني أن الطالب في المرحلة الثانوية سيكتسب في وقت مبكر معارف ومهارات تتعلق بخدمة الضيوف، وتصميم الرحلات، وإدارة الفعاليات، وأسس الفندقة، إلى جانب مفاهيم السلامة والاستدامة السياحية. لا شك أن هذه المعرفة النظرية والعملية ستغرس في الأجيال الجديدة قيم الضيافة المتجذرة أصلًا في الثقافة العربية والإسلامية، وتحوّلها إلى كفاءة مهنية يمكن أن تنافس عالميًّا، كما أن هذا القرار يتجاوز الجانب التعليمي البحت، فهو يربط التعليم بسوق العمل مباشرة. فالمملكة وضعت هدفًا طموحًا باستقبال 150 مليون زائر سنويًا بحلول 2030، وهذا الهدف يحتاج إلى أيدٍ وطنية مدرَّبة تمتلك المهارة والمعرفة والاعتزاز بالهوية الوطنية. ومن هنا تأتي أهمية إعداد الكفاءات المحلية القادرة على تقديم تجربة سياحية متكاملة تجمع بين جودة الخدمة والاعتزاز بالثقافة والتراث.
إن هذا التوجه سيخلق بلا شك فرصًا واسعة أمام الشباب السعودي، وسيعزز حضورهم في سوق العمل السياحي بدل الاعتماد على العمالة الأجنبية. كما سيمنح الخريجين الجدد آفاقًا مهنية واعدة في مجالات الفندقة والضيافة والفعاليات والإرشاد السياحي، ما يسهم في رفع نسب التوظيف ويدعم الاقتصاد الوطني برؤية قائمة على الاستدامة. ولا شك أن وجود كليات عليا في مجال السياحة والضيافة سيثري هذا التخصص الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة.
وحيث إن البحرين تتمتع بمقومات سياحية مهمة، لا يسعنا إلا أن نتمنى أن نحذو حذو أشقائنا، فإدخال مادة مشابهة في مناهجنا الدراسية سيعزز حضور المواطن البحريني في قطاع السياحة، ويمنحه فرصة أكبر ليكون في صدارة العاملين فيه. فنحن بحاجة إلى كفاءات وطنية تمتلك العلم والخبرة لتطوير هذا القطاع الحيوي الذي يمثل ركيزة أساسية في اقتصادنا غير النفطي.
لقد علمتنا التجارب أن التعليم إذا تماهى مع احتياجات الاقتصاد، كان أكثر جدوى وأقوى أثرًا. وخطوة السعودية في هذا المجال نموذج يحتذى، ورسالة واضحة بأن الاستثمار في الإنسان الضمان الحقيقي لصناعة المستقبل.
الخلاصة.. ما تفعله المملكة اليوم هو غرس بذور ستثمر غدًا، ليس في صورة فرص عمل أو مشاريع ناجحة فحسب، بل في بناء وعي جديد لدى الأجيال القادمة، وارتباطها العميق بثقافتها وهويتها، وقدرتها على الانفتاح بثقة على العالم. فالسياحة والضيافة ليست مادة دراسية تضاف إلى جدول الطلاب، بل رسالة بأن المواطن محور التنمية، وبأن الحلم الكبير يبدأ دائمًا من مقعد الدراسة.

كاتب وإعلامي بحريني

————-